اشتكى المالكي من الطائفية.. والشكوى لله!! |
هل لكم أن تتصوروا معي عمق المأساة والمهزلة التي يعيش تحت وطأتها الشعب في عراق اليوم, عمق غضب الناس الطيبين وشدته وهم يستمعون إلى تصريحات أكثر المسؤولين بالعراق "الجديد!" التي تدين الطائفية وتعتبرها فتنة في المجتمع, في الوقت الذي يعاني عراق اليوم من طائفية الحكم القائم. دعوني أتساءل مع الكثير من الناس الشرفاء الذين ارهقتهم الطائفية السياسية: من هم الطائفيون في هذا العراق المستباح من القوى الطائفية السياسية المقيتة؟ هل القوى الديمقراطية والمدنية العلمانية أم الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية منها والسنية؟ هل الحكم بيد القوى والأحزاب السياسية الديمقراطية المدنية أم بيد الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية على نحو خاص؟ إلا تجسد ممارسات الحكم الحالي سلوكاً طائفياً مريعاً أدى إلى خلق اصطفاف طائفي واستقطاب له على مستوى المجتمع كله؟ ألم تبدأ المأساة مع بدء المحاصصة الطائفية بعد سقوط الدكتاتورية الغاشمة التي أذلت الشعب العراقي وأزهقت أرواح أكثر من مليون نسمة, تبدو اليوم وأكثر من أي وقت مضى بعد سقوط صدام حسين المهزلة الفعلية بالبلاد حين يتحدث المسؤول الأول في الحكومة الحالية ويدين الطائفية وهو الممارس الرئيسي لها قبل غيره. بالأمس تحدث رئيس مجلس وزراء العراق, نوري المالكي, عن الفتنة الطائفية في البلاد فقال: "كلنا ثقة ولدينا من سعة الصدر والشعور بالمسؤولية أن ننفتح على كل المشاكل وفق قاعدة الاحتكام إلى الدستور والمصالح المشتركة ووحدة البلد وضرورة تجنيبه الفتنة الطائفية التي يراد لها أن تكون". لم أخطئ في ما نقلته عن نوري المالكي, فهذا قوله بالتمام والكمال, بل قال أكثر من ذلك عن الفتنة الطائفية. ولكن ألا يفترض فيه وهو يتحدث بهذه اللغة أن ينظر إلى نفسه بالمرأة الاعتيادية, وليس بتلك المرأة السحرية التي تقلب الحقائق والأقوال, فيبدو فيها القبيح جميلاً والجميل قبيحاً بقدرة قادر! أليس من واجبه أن يدرك بأن الناس يعرفونه جيداً وهم ليسوا بجهلة. فنوري المالكي يقود حزب الدعوة الإسلامية بعد أن انتزع رئاسة الحزب من الطائفي الآخر إبراهيم الجعفري, وينافسه على الرئاسة اليوم الشخص الأكثر طائفية, وأعني به علي الأديب! هذا الحزب الإسلامي السياسي طائفي بامتياز. ونوري المالكي رئيس قائمة دولة القانون الطائفية الشيعية بامتياز أيضاً, وهو وقائمته أعضاء في التحالف الوطني, البيت الشيعي, الطائفي بامتياز ثالث والذي يقوده إبراهيم الجعفري أيضاً, اليس هو الذي قال "أخذناها بعد ما ننطيها: أي أخذناها نحن الشيعة وبعد ما ننطيها للسنة! إن الطائفية السياسية تهيمن اليوم على حياة البلاد السياسية, وأنه هو وراء تفاقم الطائفية وتصاعد النبرة والنعرة الطائفية لدى الأطراف السياسية الأخرى, أو لدى سنة البلاد العرب. ومن المحزن حقاً أن يُجبر الناس على الحديث عن الشيعة والسنة العرب في العراق الذي أريد له, كما أدعو, أن يكون ديمقراطياً! إنها لمحنة حقاً أن يعاني رئيس مجلس وزراء العراق من ازدواجية في شخصيته, فيتحدث ضد الطائفية أمام الصحافة والعشائر, ولكنه في الوقت نفسه يحكم باسم الطائفية وسياساته تجسد الطائفية السياسية التمييزية بأجلى معانيها. لا يمكن أن تمر مثل هذه التصريحات والخطابات دون أن تدان من قبل المثقفين الذين يدركون بأن المالكي قد حصل على أكثر الأصوات في مجموعة من المحافظات العراقية في انتخابات مجالس المحافظات بسبب دوره في تشديد الاصطفاف الطائفي السياسي وسعيه لاستقطاب هذا الصراع بهدف تعميق وتوسيع الخنادق القائمة والفاصلة بين أتباع الطائفة الشيعية وأتباع الطائفة السنية, إنها المحنة والمأساة والمهزلة في آن. وهو الفاعل الأول والمستفيد الأول من نشر العلاقة السلبية بين "أنا" الشيعي و"الآخر" السني, وهي جزء من رؤية النمط التقليدي الجامد والمكرس في لا وعي الإنسان العراقي الفردي والجمعي بين الـ "أنا" والـ "آخر" Stereotyp. اشتكى المالكي من الطائفية ... فلتصل شكواه لربه عسى أن يكشف عنه الغمة. ولكن ألا نتذكر ذلك التهكم العراقي الذي يقول: "ضربني واشتكى وغلبني بالبكاء"! إن زحف بعض أبرز العناصر البعثية ممن كان في الجيش وفي مرافق أخرى بالدولة العراقية في فترة حكم الدكتاتور صدام حسين إلى مرافق العراق "الجديد" يراد منه التكتكة لتفتيت المعسكر الآخر من جهة, والترويج ضد الكرد من جهة أخرى. وهي تقدم لنا لوحة قاتمة عن مستقبل العراق الذي لا نريد له أن يعود إلى وضع دكتاتوري جديد يكلف الشعب المزيد من التضحيات البشرية والمادية. إن الغالبية العظمى من الشعب العراقي تريد عراقاً مدنياً ديمقراطيا حديثاً وتنمية اقتصادية جديدة وتحسين مستوى حياة الناس والقضاء على البطالة والفقر والفاقة الفكرية والسياسية. فهل في مقدور من يهاجم الطائفية بالكلام ويمارسها فعلياً أن يمارس سياسة جديدة تحقق ما يطمح له الناس؟ لن يستطيع ذلك, كما أرى, خاصة وإنه من أبرز الطائفيين وخالقي الأزمات في العراق ولن يكون قادراً على حلها! |