ثقافة القمع على فيسبوك

صرنا نخشى اليوم أكثر من السابق اي قبل ست او سبع سنوات، حينما نبدي أرائنا على مواقع التواصل الاجتماعي ونخشى اكثر حينما نتطرق لموضوع يتعلق بالفساد او بهدر المال العام ، او رصد لحالة فساد عابرة وربما العثور على وثائق تدين جهة سياسية او حزبية، او انتقاد لاداء مسؤول معين، كل هذه تحولت الى خطوط من الصعب اجتيازها بسبب ما يمكن ان نتعرض له من ضغوط هائلة تفقدنا خياراتنا البسيطة في الحياة.
لم نتخيل يوما ما ان تتحول هذه الميديا ومواقع التواصل الاجتماعي الى وسائل للقمع وبث الكراهية، في محاولة لتزييف كل شيء، بهذه السرعة الهائلة، او ان تتحول تلك الوسائل الى منصات سياسية يمارس من خلالها الاقصاء والتسقيط وبث الطائفية ، ومخاوفنا تزداد يوما بعد اخر، في ظل تحول هذه الظاهرة الى ثقافة عامة وممارسة طبيعية.
ان تكون ناشطا وصحفيا على وسائل الميديا فهي بحد ذاتها تمثل مشكلة، في ظل هذا الهوس الهائل الذي يحصل في وسائل التواصل الاجتماعي، والرعب الذي تبثه الاحزاب والسلطة والفاسدين والقبيلة، لا احد يسيطر على شيء مطلقا، في ظل نهاية مأساوية ومتوقعة، طالما انك عبرت الخطوط غير المصرحة.
في لحظة لا تحسد عليها ، وانت تحاول ان تكتشف منطقة مظلمة تتحول الى ضحية، وتكون جزءا من صراع قاتل، تكون ضحية غير مأسوف عليها، تنهال عليك الشتائم من كل حدب وصوب، شتائم من انصار الخط الاحمر الذي انتقدته لموقفا ما، ومن جانب اخر ملامة وعتب كبير من اصدقاء يخشون عليك من "التايهات"، وربما  ستكون هنالك ضغوط عائلية اخرى تمارس عليك وهو نوع من الرهبة، لتخويفك من الاستمرار في ان تكون ناقما على السلطة واحزابها، والخشية في ان تكون على رأس القائمة في ملف التصفيات.
لم يكن هذا التعقيد قد حصل قبل خمس او ست سنوات، ولم يكن الفيسبوك قد تحول بعد الى وسيلة للتعبير عن الكراهية والحقد وتفريغ الطاقة السلبية او ان  يكون منبرا سياسيا يضج بالفوضى ايضا، أسأل دائما ما الذي تغير، هل ان المسؤولين اكتشفوا اللعبة فيما بعد وعرفوا كيف يمكن استثمار هذه المواقع استثمارا سياسيا ناجحا من خلال لم شمل "اللوكية" لتشكيل جيوش الكترونية من العاطلين عن العمل للدفاع عنهم، ام اننا لم نستوعب القصة من البداية، ام ان الاستخدام الهائل وازدياد مساحة مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي والذي ساهم بشكل او بأخر من التقليل من مساحة الحرية والتعبير، هو السبب بذلك.؟
كنا سابقا ننتقد كل تفاصيل الحياة السياسية وبالاسماء، الان نخشى من انتقاد جسر منهار او نخشى من الكتابة ضد سياج مدرسة مهدم او انتقاد موكب حكومي، دون ان تحيط  بنا المشاكل وبطرق لا يمكنك ان تتخيلها، سوى في افلام الاكشن.
عربيا وعراقيا استخدام وسائل التواصل صار يهدد حياة الناس بشكل واضح، فمقتل الكاتب الاردني ناهض حتر قبل عام، بسبب مشاركته لمنشور على فيسبوك، ابلغ دليل على ان الوضع كلما يتقدم يزداد سوءا وكلما كثرت وسائل التواصل كلما ضاق الخناق اكثر.
نزاعات عشائرية ومشاكل شخصية بين اقرباء ومشاكل بين المثقفين والتهديد بالقتل والتصفية كلها مرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتوضح لنا هذه الكوارث أننا لا نسير بالإتجاه الصحيح ابدا، ومثلما نسير بالاتجاه الخاطئ في الحياة السياسية والاقتصادية نسير ايضا بالاتجاه الخاطئ نفسه بشأن الحياة الاجتماعية او ما يخص حرية التعبير او ممارسة الانتقاد.
من المؤلم ان يذهب احدهم ضحية او يخسر حياته هكذا بسبب كتابات على فيسبوك، ليس لسبب عظيم سوى انه قد انتقد اداء سياسي فاسد "ولاطش" على كرسي السلطة، يخشى تسليط الضوء عليه، سياسي يملك ميليشا سرية لا يخشى احد طالما ان ايرادات الملاهي والعقارات  ترتفع كل يوم.
لقد مر الكثير من النشطاء والصحفيين في العراق بشأن الفيسبوك بتجارب مريرة وأيام عصيبة، ادت إلى فقدانهم الكثير من الاصدقاء، بسبب مواقفهم الواضحة من النظام السياسي ومن الأحزاب التي تسعى لمصالحها ومصالح انصارها والمضي قدما في سبيل استمرار هذه الفوضى الى أوقات طويلة جدا.