مصير مبيّت لبحيرة الجادرية

 

وانا اتجه الى الكلية صباح كل يوم تقريباً، تقع عيناي على مشهد صادم لبحيرة الجادرية، التي تم تجفيفها لاسباب مجهولة واهمال منشآتها على نحو مقصود. كانت البحيرة رئة لأهالي بغداد يتنفسون من خلالها هواء نقياً ويمضون ساعات في تنزه برئ قبل ان تتحول الى وضعها الراهن، الذي لا يسر احداً، لاسيما اذا كان من انصار حماية وتحسين البيئة.

واستغرب لماذا هذا العمل الحكومي المقصود في تدمير منشآت خلقت من أجل راحة المواطن؟ لماذا الحرص على مناطق تخص النخب السياسية واصحاب الجاه، فيما يجري اهمال وتدمير كل شبر يمكن ان يستفيد منه المواطن متوسط الحال، الذي يتعذر عليه ارتياد المنشآت السياحية الخاصة، كالمطاعم والمولات باهظة التكاليف؟. ووجه الغرابة ان هذه البحيرة كانت تدر اموالاً تعظم موارد هيئة السياحة، وكانت تشغل أيادي عاملة وتسهم في تحريك النشاط الاقتصادي – على تواضعه – في محيط الكرخ برمته. كما كانت وجهاً  جميلاً بل خلاباً جداً يمكن ان يشعر من خلاله المواطن بالأمان ويتأكد من استتباب الأوضاع.

اغلب ظني ان أهدافا مبيتة وراء اهمال هذه البحيرة وما لحقها من تدمير مقصود. فالمنظور منها يوحي بأن اغلاق أبواب منشآت البحيرة يعود بالمنفعة والتربح على مطاعم ومنشآت خاصة تجاور البحيرة أو هي قريبة منها. واستطيع ان  أحصي اربعة مطاعم مهمة تدخل في ما يسمي بالاستثمار بينما هو، في الواقع والحقيقة، تجاوز ضار بكورنيش ابي نؤاس من جهة جامعة النهرين وحجب سلبي لجمال نهر دجلة، الذي يستفيد ايضاً منه المواطن اذا رغب بالجلوس على المصاطب المجانية المشيدة على ضفة النهر. لكن تم تمرير هذا المشروع اللاإستثماري امام انظار الجهات البلدية والبيئة دون تحريك ساكن. وهذا أمر مؤسف آخر.

اما بقية ظني في أسباب تجفيف بحيرة الجادرية فتدور حول نوايا مبيتة لتخصيص أرض البحيرة ومقترباتها لأصحاب المعالي والنواب عبر قرار، ربما يمرر، في قادم الايام تحت جنح الظلام. اي اننا لا نستبعد ان نستيقظ يوماً، فنجد، الرقعة الجميلة المجاورة لحدود جامعة بغداد، وهي اجمل بقاع العاصمة على الاطلاق، وقد تم ابتلاعها وتوزيعها كقطع اراض سكنية بين السادة النواب والوزراء ومن هم بدرجتهم. كل شيء جائز امام حيتان الفساد في الحكومة والبرلمان، الذين بلعوا حقوق المواطنين في سوابق عديدة، بقرارات سرية لافادة انفسهم انطلاقاً من مبدأ شائع هو (اقبض فوراً قبل ان  تنتهي دورتك الانتخابية)!

انني احذر من هذا المشروع المشبوه، الذي يستفيد من تعمد تدمير وتجفيف بحيرة الجادرية، وادعو الى موقف شعبي حازم ازاءه قبل فوات الاوان. واذا كانت الحكومة بريئة من المصير المتوقع لهذه الرقعة الثمينة من بغداد، فلتعد البحيرة الى وضعها السابق ولتفتح منشآتها الموجودة وتتخلى عن الأعذار والحجج التي يقدمها موظفون فاسدون أو متواطئون لكي يزينوا لاسيادهم واولياء نعمهم فكرة التجاوز على المال العام عبر قوانين او تشريعات مليئة بالثغرات والمطبات، التي يجتهد البعض في تمرير توابعها تحت باب الاستثمار او الشراكة مع القطاع الخاص.

وحتى يحين الوقت لتحرك نزيه بشأن الموضوع، ستظل بحيرة الجادرية تستغيث والقصب يطمر اعماقها.