عشرون عاماً من الحرب

 

لم يعد من المجدي حل المسألة الكردية التركية بالحروب . فعشرون عاما من الحروب كافية لتأكيد بأن الشعب الكردي التركي الذي يفوق عدد سكانه الخمسة عشر مليونا لن يستسلم لفوهات المدافع والسلوك الشوفيني في المواجهة فهو لايريد الانفصال عن الجغرافية التركية ولايكون عنصر مشاغبة وابتزاز مثلما تفعل بعض المكونات , فهو يريد حقوقاً متساوية مع اشقائه الاتراك من القوميات والكيانات الاخرى في السياسة والثقافة والتعليم والحقوق الانسانية والاقتصادية والتشغيلية وانتخاب ممثلية في البرلمان بحرية الاختيار هذا مايريده .

 لقد اثبتت السنوات الطويلة من الصراع الدموي بانه لاحل لمثل هكذا قضية إلا بالحوار والاقرار بالحقوق الوطنية ولاسيما ان الكرد الاتراك اكثر تمدنا من غيرهم وحركاتهم السياسية منفتحة على الحلول المنطقية الموضوعية المعقولة  فمن الضرورة بمكان استغلال هذا الانفتاح والعودة للغة الحوار التي ايدها ودعمها اوجلان وهو في زنزانة الحكم .

لقد حاول نظام اوردغان ان يجعل من الساحة السورية مستندا الى مجموعات الارهاب عنصرا مضافا للحرب ضد الاكراد في تركيا وسوريا , لكن مجريات الاحداث عبر النجاحات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاءه والتدخل الميداني الروسي المباشر افشل سياسات الاضافة للخارطة التركية واسقط المشروع الاخواني من تحقق حلم العثمانية الجديدة في السيطرة على سوريا وجزء من العراق .

إن قوة تركيا ليس بتوسيع دائرة الصراع مع الحركة الوطنية الكردية التركية ولا باستمرار التدخل المسلح والارهابي في سوريا وكذلك ليس بالسيطرة على جزء من الارض العراقية أو استمالة البعض من الاكراد العراقيين للضغط على الحكومة المركزية كل ذلك لن يحقق شيئا لتركيا وإنما يضيف لازماتها تفاعلات جديدة تؤثر فعليا على شبكة العلاقات المجتمعية وتنعكس على اقتصادها المتراجع , فالحل المشروع هو بالعودة الى صفر مشاكل مع الدول المجاورة وفتح الحوار مجددا مع الكرد الاتراك والتعامل بمنطق العصر مع التطورات السياسية في المنطقة والعالم .

لقد اثبتت الحرب المفروضة على الشعب السوري , بطلان مواقف وسياسات الحقد والكراهية فهذه الحرب بعد ست سنوات من اندلاعها , ارتدت بالنتيجة على مشغليها رغم مليارات الدولارات التي صرفت عليها واطنان من كلمات وتقارير الاعلام المشوه وتدفق الالاف من الانتحاريين وارهابين من دول العالم على الاراضي السورية ، نعم ارتدت على مشغليها فتركيا ليست مستقرة ومن كانوا تسلحهم وتدربهم وتدفع بهم للمدن السورية اصبح بعضهم يتفجر في اسطنبول وانقره وغيرها من المدن والانظمة الداعمة الاخرى تعيش حالة من الاستنفار تجنبا لتوسيع دائرة التفجيرات , وسوريا الدولة الهدف لكل هؤلاء اصبحت الان تمسح تدريجيا غبار الحرب من مدنها وفي مقدمتها مدينة حلب التي كانت هدفا حقيقيا لعاصمة الارهابيين والعثمانيين الجدد وانظمة الحقد قد عادت لأهلها الشرعيين .

نقول ذلك ليس نكاية بأحد وانما للتذكير  بان العصر الراهن ليس قابلاً فيه الانسان أن يعيش بالنار والحديد باسم دعوات اسلامية زائفة أو هرطقات سياسية لاقيمة لها في علم وقانون السياسة .

إن تركيا تهمنا كمواطنين عرب يهمنا استقرارها وتجانس مجتمعاتها , فسياسة الحروب ورفض الحقوق ومعالجة الازمات بفوهات المدافع لم تعد تجدي  فالسنوات الحروب مع الشعب الكردي التركي لم تنتج سوى الدمار والدماء السيالة  وفي كل عام يتعزز دور الاتراك الكرد عالميا واقليميا وتركيا النظام تخسر في المجالات المختلفة , فالدعوة الى وقف هذه الحرب والبدء بالحوار هو الطريق الامثل والمحافظ على تركيا , والتخلي عن التدخل في سوريا والعراق ووقف عمليات الدعم للارهاب هو المفتاح الحقيقي لقفل ازمات تركيا الشقيقة.

 فالمبادرة اولا بوضع مسودة الحلول افضل بكثير من الانتظار لنتائج فوهات المدافع التي تجاوز سنوات اطلاقها العشرين .