صانعو التاريخ من وراء الكواليس...ابو مسلم الخرساني إنموذجا/ بقلم: القاضي منير حداد |
سمي عبد الرحمن بن مسلم، حين أخذ سبيا، وكان اسمه ابراهيم بن خاقان، من اكراد خراسان.. شخصية اشكالوية، والشخصيات الهجينة غالبا ما تشكل على التاريخ.. لا يفهمها، لكنه يطيع سطوة الكاريزما التي يتمتع بها. انطلق تاريخ دولة، من لقاء عابر لهذا الرجل، بامام بني العباس.. عبد الله بن العباس، وكان ابو مسلم الخرساني، مجرد مولى، يعمل غلاما في خدمة سراج، تعلم من معالجته الجلود، كيف يدبغ الدولة طوع ارادته؛ فدالت له. جيء بابي مسلم، هدية لخدمة الامام العباسي، اوان كانت الدعوة العباسية سرية؛ حين خلافة الامويين، ثرثارة الحدود.. مفتوحة.. بين الارض والسماء، لا ليل لغروبها ولا نهار لفجرها، انما هي حالة بين الجنة والنار. لفت ابو مسلم اهتمام مولاه علي بن عبد الله بن العباس، بذكائه وحسن تدبيره وسعة اطلاعه؛ كونه نسابة وشجاع، مفطور منذ الصغر على قود الامور غير مقود بليد! طبق ابو مسلم الخرساني مبدأ (القتل على الشبهة) تلبية للراية التي حمّله اياها مولاه، باعثا به على رأس جيش تأديبي الى ولايته.. خراسان، التي اباد ثلاثمائة الف من رجالها، على الظن والشك والشبهة، فخضعت للحكم العباسي ولم يبق فيها ما يقلق الدولة العباسية، حينها. قسوة فظيعة في تنفيذ الامر، صدعت لها خراسان، وتصدعت قوى المقومة تأسيسا لدولة بني العباس التي طبقت آفاق الدنيا، بفضل ابي مسلم الخراساني محسوم الولاء للعرب والمسلمين. دامت علاقته طيبة مع الخليفة الاول ابي العباس السفاح؛ مبقيا اياه واليا على خراسان، لكن ساءت علاقته مع ابي جعفر المنصور؛ لأن الخرساني كريم تقبل الناس عليه، حين يرافق الخليفة، وقد عرف المنصور ببخله؛ ما يجعل الناس تنفض عنه الى ابي مسلم؛ فأضمرها في نفسه بغضا. لفق له تهمة ادعاء النسب الى العباس، ولما خرج عبد الله بن علي.. عم الخليفة، عصيانا في الشام على ابن اخيه، بعث اليه ابا مسلم، على رأس جيش يسترد ما اقتطع عمه من سلطان الخلافة المبسوط. بعث المنصور بالخرساني قائدا للجيش الذي يقاتل عبد الله بن علي، قاصدا ضرب عدوين له، بعضهما بالبعض الآخر؛ في حرب تضعفهما كلاهما وتخلصه مما يشكلان من خطر على سلطانه. لكن حنكة ابي مسلم، ومنعته في التدبير، تلافيا للدسائس التي جبل على تفنيدها واحباط حبالها قطعا قبل ان تشتبك عليه تطوقه اسيرها؛ جعلت الغلبة له منتصرا، فاستدعاه ابو جعفر الى القصر، وفرض عليه ان يمكث واليا على الشام، التي لم يكن مرحَبا به فيها؛ نظير طيب الاقامة واليا على خراسان. رفض ابو مسلم الخرساني ولاية الشام، متمسكا بولاية خراسان؛ لما توفره من منعة له وعزوة بين قومه، مستقويا على الخلافة، ان شاء طاع وان شاء انشق! آمنه مدبرا له شر قتلة في المدائن، خلال صراع لم يكن فيه القتيل ضحية ولا القاتل مجرما، سياسة الدول يتساوى فيها الجاني والمجني عليه، والعذر ملتمس للظالم والمظلوم على حد سواء. تنكرت ثورة العباسيين لصانعها.. المحرك الاول، وبمثل ما ادان ادين، قتل ببشاعة.. على الشبهة، فقتل بالدليل الملموس قتلا فظيعا، أوتي به ما آتاه بسواه. تثبت تجربة ابي مسلم الخرساني مع دولة بني العباس ان الثورات تأكل صانعيها، بدليل الثورة الفرنسية وجمال عبد الناصر وفيدل كاسترو وعبد الكريم قاسم، كلهم تنكروا لمن دلهم على عرش الحكم! |