ستكون مرحلة ما بعد داعش اصعب

العراق الذي لم نترك له عبر الشعارات شيئا يعتب فيه علينا، يواجه وضعا شديد الصعوبة، ولم تعد للوطنية اي معنى سوى كونها شعارا براقا, ونحن جميعا بلا استثناءا لاحد نعتبر مكوناتنا ومصالحها اعلى من مصالح البلد. واذا تمعنا اكثر في المشهد السياسي الان فاننا نجده بأنه بات يعبر بشكل ادنى عن المكون بل اصبح يعبر عن المصلحة الحزبية. وبين البلدان تعاملنا بصغر مع انفسنا بحيث باتوا يتعاملون معنا كمكون ولا ينظرون الينا كدولة، وداخل المكون يجري التعامل معنا كحزب او اتجاه سياسي لا كمكون، بل وداخل الحزب يجري التعامل معنا ككتلة او جناح وليس كحزب!.  صيرنا جميع المكونات لاتثق احداها بالاخرى, وداخل كل مكون لايثق اي حزب او قوة بالاخر ووصلنا الى مرحلة لا يستطيع اي مكون التعبير عن العراق، وداخل كل مكون لا يستطيع اي حزب او قوة التعبير عن مكونه.توزعنا على مجمل القضايا بحيث ليست هناك قضية نتفق على طريقة للتعامل معها بما فيها قضية داعش، وحولنا جميعا داعش الى ذريعة لتأجيل معالجة كافة مشاكلنا السياسية المعلقة وجمدنا كل خلافاتنا السياسية المختلفة الى مرحلة ما بعد داعش، وهي مرحلة اخطر واصعب على العراقيين كافة. بدأت طليعة ظهور هذه الخلافات باشكال مختلفة مع اقتراب نهاية داعش، وسأتناول بدقة ثلاث احداث جرت خلال اسبوع تتعلق بالعراق ومكوناته وهي:-
* تظاهرات يوم الجمعة العاشر من شباط الجاري في بغداد، حيث دعا التيار الصدري مليون مواطن من الفقراء والجياع من المكون الشيعي من البصرة الى بغداد للحضورالى ساحة التحرير وتحت شعار مطالب الشعب لكنها سوقت لمطالب سياسية، وقتل عدد من المتظاهرين على يد رجال الامن (وهم بالاساس شيعة ايضا), وكشف هذا الحدث عمق الخلافات داخل المكون الشيعي حيث كان الحدث شيعيا شيعيا فيما وقف الكرد والسنة كمتفرجين. كان الصدريون يريدون من خلال هذه التظاهرة ان يأخذوا شرعيتهم من الشارع ,فيما اخذت الحكومة شرعيتها في قمعهم من مؤسسات الدولة التي وصلت اليها عن طريق صناديق الاقتراع.*الحدث الثاني هو مؤتمر 15 شباط في جنيف الذي اقامه المعهد الاوربي للسلام في بروكسل بالتعاون مع مجلس الاطلنطي في واشنطن تحت شعار (حماية المتضررين من داعش والارهاب) والذي عقد لمناقشة مسألة تشكيل الاقليم السني وشارك فيه قسم هام من قادة السنة السياسيين المشاركين في العملية السياسية والمعروفين بطائفيتهم, في الوقت الذي لم يشارك فيه العديد من قادة السنة المشاركين في العملية السياسية ورفضوا المشاركة وابرزهم د سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي، وهذا يعكس خلافا عميقا بين القوى السنية.*الحدث الثالث وخلال اسبوع صرح ثلاثة من المسؤولين في الحزب الديمقراطي الكردستاني هم (مسؤول مكتب الانتخابات في الحزب، ورئيس كتلة الحزب في البرلمان العراقي ورئيس ديوان رئاسة الاقليم) باسم الشعب الكردي عن مقاطعتهم للانتخابات العراقية، هذا في الوقت الذي لم يكن اي حزب سياسي كردستاني على علم بالامر باستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني. وبالعكس فان كل القوى السياسية الكردستانية بما فيها الحزب الديمقراطي مشغولة بالاستعداد للعملية الانتخابية.وبقراءة متأنية لهذه الاحداث الثلاث يتضح لنا انه لا الصدر يعبر عن الشيعة, ولا قوى السلطة في بغداد تمثل مصالح ومطالب جميع الشيعة.

ولا سليم الجبوري  يعبر عن مطالب السنة في العملية السياسية في مقاطعته لمؤتمر جنيف, ولا الذين حضروا كانوا يمثلون كل السنة.كذلك فان الحزب الديمقراطي الكردستاني بتصريحاته هذه لا يمثل ارادة الكرد في المشاركة او المقاطعة للانتخابات  في العراق، كما ان اي قوة سياسية كردية اخرى لا تستطيع التعبير عن مجمل القرار السياسي الكردي.ان هذا التشتت والاضطراب في القوى الذي نقبل به ونحن على مشارف مرحلتين مهمتين وحساستين, الاولى ما بعد داعش, والثانية اقتراب موعد الانتخابات، يدفعني الى الاعتقاد ان الوقت حان كي نرفع اصواتنا عاليا وبصدق وان نبتعد عن الشعارات البراقة  الوهمية, وان الوقت حان لان نفكر بعراق نستطيع جميعنا تحت لوائه ان نعيش بسلام وطي صفحة "عراق يقاتل بعضه بعضا".ان العراق الراهن بشكله الحالي لن يكون عراق اي مكون من المكونات, ولن يرى منه احد خيرا، واننا في ظله سوف نتضاءل شيئا فشيئا ونصبح اصغر ويتحول ابناؤنا فيه ضحايا لابتساماتنا الكاذبة  لان طبيعة هذه البلاد هي هكذا.. نعم  اما ان يكون "العراق" لنا جميعا او لن يحصد خيرا منه احد.