قبل سبعة اعوام وقف أحدهم في مؤتمر إعلامي عربي كبير وحمل المايك بيده وسط مئات الاعلاميين العرب والاجانب ، قائلا بحسرة " لقد بلغ مجموع الصحفيين العراقيين ممن قتلوا منذ 2003 وحتى 2010 اكثر من 360 صحفيا !!"
يومها دونت الرقم في اجندتي كونه بمثابة احصائية شبه رسمية لمجزرة الصحافة العراقية وطاحونتها التي ﻻتعطب وﻻ تتوقف أبدا بخلاف كل مفاصل الحياة الاخرى التي تعطلت محليا ومنذ 14 عاما ، ومرت السنون السبع وإذا بالرقم وبدلا من ان يراوح في مكانه يقفز الى أكثر من 425 صحفيا تنوعت اساليب قتلهم بين عبوة ناسفة او عجلة مفخخة او رصاصة قناص او اغتيال أثناء الواجب الرسمي او اختطاف اعقبه اغتيال وربما فدية او اختفاء قسري ينتهي بجثة و 5 دفاتر - خمسة اﻻف دوﻻر - وﻻيكاد يمر يوم إﻻ وأحرر فيه والألم يعتصر قلبي خبرا يفيد بفقدان او اختطاف أو مقتل صحفي او صحفية ، آخرها وليس أخيرها بالتأكيد تمثل باستشهاد مديرة قسم إنتاج الأخبار في شبكة رووداو الإعلامية ، شفاء كردي، التي قضت نحبها أثناء تغطية المعارك ونزوح العوائل من أيمن الموصل بعبوة ناسفة كانت موضوعة على جانب الطريق ، فيما اصيب مصورها بجروح بليغة نقل على اثرها الى المستشفى القريب لغرض العلاج ..على حسابه الشخصي ومن ماله الخاص قطعا، اذ ﻻوجود لفقرة قانونية تنص على تحمل تكاليف علاج جرحى الصحافة اثناء تأدية الواجب ، تصوووروا واتحدى كل من يقول بخلاف ذلك !!
وكنت ومع كل خبر أحرره في هذا الشأن أسأل نفسي بحرقة " ترى مالذي يرغم الصحفي او الاعلامي العراقي سواء كان محررا أم مصورا أم مراسلا أم مقدم برامج اذاعية وتلفزيونية " على المخاطرة بحياته ، أمن أجل الخبزة وتأمين لقمة العيش الحلال ﻷهله ولنفسه يخاطر؟ ربما ...أمن اجل القضية التي يعتقد بقدسيتها يغامر ؟ ربما ...أمن أجل الشهرة التي يطمح بها يضع روحه على كفه ؟ ربما ..أمن اجل الحفاظ على عمله وطاعة اوامر - المكتب البيروقراطي- الذي ﻻيجد حرجا في فصله ومصادرة حقوقه في أية لحظة وﻷي سبب كان صغيرا ام كبيرا ..يصنع ذلك ؟ ربما .. أﻷنه متهور ويعشق رفع مستوى الادريناليين لديه من دون التفكير بعواقب مايقوم به يفعل ذلك ؟ ربما ، والنتيجة هي عشرات الشهداء والمخطوفين واللاجئين من عشاق صاحبة الجلالة وفرسان السلطة الرابعة ومهنة المتاعب ، ناهيك عن الاعتداءات المتواصلة على الكوادر الاعلامية واهانتهم بل وضربهم وشتمهم وتحطيم أو مصادرة اجهزتهم وملاحقتهم عشائريا ايضا !!
أقساها في تصوري هو المخاطرة من اجل الخبزة ..بمعنى مجبر اخوك " وليس اخاك كما يشاع " ﻻﻻﻻﻻبطل ، ليدفع ثمن الكهرباء السحب ، الدواء والغذاء والكساء والمواصلات ، ايجار المنزل ، النت ، وبقية المصاريف الحتمية اليومية التي ﻻمناص منها ..وأبركها في تصوري هو المخاطرة من اجل القضية التي يؤمن بها ، وفي كل الاحوال فأن عشرات الاعلاميين بدأوا يرددون في مجالسهم وقد سمعت ذلك مرارا وتكرارا على لسانهم " الصحافة في العراق بعد ماتوكل خبز " ، ﻷن ﻻ قانون وﻻ عقود عمل رسمية حتى اﻻن تضمن حقوقهم وتحفظ حياتهم مطلقا مع إلغاء المنحة السنوية المخصصة لهم منذ عامين ..أما عن بقية الحوافز والاراضي والمنح التي وعدوا بها مرارا - فخليهه سكته يالفته - !!
المشكلة التي تحول بين الخيريين وبين اصلاح الواقع الصحفي وغيره هو محاولة بعضهم تغليف كل قصة انسانية ما وعمل خيري اوجبه الشرع وكافأ عليه بخارقة تسبقه او تلحقه والذي ارى ان غايته الأساس إنما تتمثل بتسفيه العمل الخيري وتعقيده ونسفه من أساسه !!
أرأيت ولتقريب الصورة لو روج لـ - سوبرمان مثلا - بضلوعه في أنقاذ مدينة من الغرق ، فلو حدث ان تعرضت أخرى لكارثة مماثلة ايضا فأن العقل الجمعي سيستدعي السوبرمان ﻷنقاذها او تركها والاكتفاء برؤيتها وهي تغرق من دون ان يفكروا او يحركوا ساكنا قط بهذا الاتجاه ﻷن مهمة انقاذ المدن الغارقة والمدمرة والمحترقة .. انما هي مهمة سوبرمانية بحتة ﻻ قبل لبقية المخلوقات بها !!
ومعظم قصص الانقاذ الخيالية - الأنتخابية - قد غلفت بالخوارق و " صورني واني ماادري" للوصول الى نتيجة = فعل الخير من اختصاص السوبرمان فقط ﻻغير وبما انك لست سوبرمانا وﻻ وليا صالحا تظهر على يديه الخوارق وﻻ أحد من عشيرتك ، اذن ﻻتفعل الخير واجلس في بيت ابيك او انتخب سوبرمانا يحلق في سماء المال والشهرة ليتولى مهمة نعيك ورثائك وتأبينك بعيد اغتيالك بالنيابة و...ابوك الله يرحمه !!
وانوه الى اننا اول من اخترعنا السوبرمان والوطواط والسبايدر مان وليس الغرب فكثير من الخارقين"عندنا ممن تغص ببطولاتهم بطون الكتيبات والمطويات والكراسات التي تجنح الى الفنتازيا ، هم سوبرمانات محلية وان لم ينتموا !! وبما ان السوبرمان بهيأته الخارقة ، هو مجرد صحفي خجول ومفلس بصفته البشرية يعمل في صحيفة “ديلي بلانت” كما في الرواية الاصلية التي اخترعتها شركة (ناشيونال كومكس) عام 1938 ، لذا فأن على الصحفيين العراقيين ان يختاروا بين احدهما لإنقاذ من تبقى منهم على قيد الحياة والعمل والحرية ، بمعنى اما الافلاس والوطنية والخجل واما الشهرة - واللواكة - واللاوطنية ووووالمال ...لعل السوبرمان الخارق يؤبن المفلسين منهم ويرثيهم ببيتين شعريين منتحلين تخطان على لافتة سوداء بعشرة اﻻف دينار فقط ﻻغير او تلقيان في دقيقة تأبينية عاجلة تسبقها قراءة الفاتحة ترحما على روحه الطاهرة التي لم يشبع صاحبها وبخلاف المؤبن الملياردير ..من الخبز الاسمر بعد !! اودعناكم اغاتي
|