هذه ليست كلمتي بل هي- ما عدا كلمة (عظيمة) لأني اضفتها لأبين فكرة من خلالها- كلمة قال المخضرم ميل بروكس، الممثل والمخرج والمؤلف والمنتج الأمريكي اليهودي عندما استلم جائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام (BAFTA) يوم 122 شباط (فبراير) في معرض بيانه بعدم احساسه بأنه أجنبي في بريطانيا كون الجائزة عادة لا تعطى لغير البريطانيين، هذا النص ألغي من مقطع الفيديو عن كلمة بروكس في موقع الأكاديمية ولكن قناة (BBC) نشرت الكلمة كاملة في قناتها على اليوتيوب.
بروكلين هو أحد أحياء مدينة نيويورك بل هو أكبرها، ولغة أحسن يقصد بها إن إنكليزية البريطانيين أفضل.
لا يهمني كثيراً ما قصده بروكس ولماذا تم حذف الكلمة من موقع الإكاديمية ولكني أردت الانطلاق من هذا النص فهي واقعية لتوصيف حال بريطانيا التي كانت تسمى عظمى والتي كانت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وكانت الولايات المتحدة الأمريكية مستعمرة تابعة لها، وهي ومنذ الحرب العالمية الثانية صارت تبعاً للولايات المتحدة الأمريكية في سياستها ومنهجها الاقتصادي بل وحتى وفي علاقتها مع جيرانها الأقرب لها أي الدول الأوربية.
موقف بريطانيا من حرب الخليج الأولى والثانية وكون قرارها كان تبعاً بوضوح للقرار الأمريكي بات واضحاً ومحل تحليل وتندر مستمر، فهي خالفت الاجماع الأوربي والقانون الدولي في عام 2003 وكان موقفها بالتبعية واضح.
بريطانيا لم تصبح تبعاً لأمريكا بشكل واضح بل إنها ابتعدت أوربياً خاصة بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوربي تاركة قيادة الاتحاد إلى ألمانيا الطامحة لذلك، رغم إن البعض يرى دخولها في الاتحاد الأوربي كان شرفياً ولأجل أن تكون الذراع السياسي للولايات المتحدة الأمريكية فيه ولغماً لتخريبه متى شاءت أمريكا ذلك.
تيريزا ماي رئيسة الوزراء الحالية المكلفة من الملكة إليزابيث بعد استقالة ديفيد كاميرون أثر ظهور نتيجة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوربي مخالفة لما أراد، تيريزا مي وزيرة الداخلية السابقة في حكومة كاميرون وثاني امرأة تستلم هذا المنصب بعد تاتشر واستلمته دون انتخابات بعد انسحاب المنافس كانت أيضاً لا تريد أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ولكن حماستها لذلك كانت قليلة، وتعهدت بعد استلامها المنصب بالالتزام بنتيجة الاستفتاء. كاميرون نصح وزيرة داخليته السابقة قائلاً: "نصيحتي إلى خليفتي التي هي مفاوضة لامعة، أن علينا أن نحاول البقاء قريبين قدر الإمكان من الاتحاد الاوروبي لمصلحة التجارة والتعاون والأمن". فيما يبدو منه تحسس لخطر الابتعاد البريطاني عن أوربا.
الشارع البريطاني متحسس لمستوى الارتماء البريطاني في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية والانسجام التام مع مواقفها، رغم إن الموقف الأمريكي الأخير متمثلاً بترامب فيه من الخطورة والغرابة الكثير إلا إن بريطانيا لا زالت الأقرب أوربياً إلى أمريكا. عبر البريطانيون عبروا عدم ترحيبهم بترامب عبر احتجاجات واسعة وعبر توقيع 1.8 مليون بريطاني لعريضة ترفض استقبال ترامب، ولكن الحكومة البريطانية وجهت له دعوة لزيارتها ولم تلق بالاً للاعتراضات، ترامب وهو المهووس بالتسلط وفرض إرادته يبدو إنه يتعامل مع بريطانيا من موقع السيد، وسيكون خلفاً أقوى لبوش الابن ويبدو إن تيريزا ماي مؤهلة لأن تضع بريطانيا في أدنى مستويات تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية وهي ليست مؤهلة لمواجهة ترامب القوي، ولعل من أمثلة ذلك موقفها المؤيد بشكل واضح لطرح ترامب باتجاه إيران، إضافة إلى الضغط الذي يمثله خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وسعي حكوماتها لعلاقة تجارية بديلة مع الولايات المتحدة الأمريكية مما يستوجب لعلاقة وصفتها بـ "المميزة".
البريطانيون يتابعون ذلك بدقة فحتى مسك يد ماي من قبل ترامب أثارهم فكان محط سخرية منهم فرسم فنان الشارع "بامبي" على جدران آيسلنغتون في لندن رسماً ساخراً لترامب يراقص تيريزا ماي معنوناً الرسم بعبارة " Lie Lie Land" أي أرض الكذب الكذب، مستوحياً ذلك من الفلم الرومانسي الأمريكي "La La Land" المعروض حالياً والمتصدر في شباك التذاكر والذي حصد وترشح للعديد من الجوائز ويحكي قصة ممثلة هاوية مع عازف بيانو محترف، وتلاقف الرسم آخرون ونشروه بطرق أخرى حتى رسمه بعضهم على القمصان، وهو يعبر بمستوى واضح عن تصور البريطانيين حالياً عن مملكتهم العظمى والتي كانت تملك العالم واليوم يراقصها ترامب حتى تكاد تصدق عليها كلمة بروكس ولا تنفعها لغتها الأحسن!