مخطوفون لمعارك وهمية

 

 

من يتابع حركة السياسة في العراق ، داخل القصور وخارجها ، يشعر إننا مخطوفون في كل الاتجاهات والاماكن ، ولا أحد أفضل من أحد في عمليات الاختطاف ، فذلك الذي يجري في مجلس النواب هو اختطاف لارادتنا ، واختطاف لحقوقنا ، وتزوير ممثلينا لقوائم رواتبنا ، وقائمة اصواتنا ، وظل هذا المجلس طول السنوات واقع تحت تأثير الصراعات السياسية والفئوية والطائفية ، دون أن يقدم لنا منتجاً تشريعياً نستظل به لباقي سنوات عمرنا ، أو يؤسس لتشريع تحكي عنه بغداد بالبنان ، فيما بقي مجلس الوزراء يدافع ويدفع، ووزراءه حائرين بين سنوات الزعل وايام الرضا ، والزعل في اللهجة الاردنية والفلسطينية ( (حردان)  مجلس يحكي باستمرار قصص الخلافات بين اركانه وكياناته ، دون أن نسمع قصة بناء مدينة ، أو نجاح في ابتكار منجز ، ولا يختلف اقليم كردستان عما يجري في بغداد فكثير الكرد يشتكي من حكم الاقلية وسياسة البطش للرأي المنتقد ، وكذلك تصدير الازمات لبغداد ، وصياغة التحالفات مع حكومة الاتراك وحكام خليجيين ، دون أن نسمع موقفا طيباً يعني بقضايانا كعراقيين جميعا دون عزل أو تفضيل ، ثم ماتلبث السنة تعد أيامها الأخيرة حتى نسمع عصيان البرلمانيين الكرد عن التوقيع عليها ، وتستمر الدائرة بالدوران كل سنة على هذا المنوال ، حتى وصلت للمياه .

 

هنا نسأل هل نحن كشعب مخطوفون لؤلاء الحكام ، أم إنهم يخطفونا بأزماتهم كي لانستطيع تحديد وجهتنا للسنوات القادمة ، ففي كل الحالتين ، يجب الاعتراف نحن مخطوفون بسبب غفلتنا ، ومخطوفون نتيجة وهمنا بأن هذه الكتل والقيادات السياسية يمكنها أن تنتج شيئاً مفيداً غير صراعات المكان ، والموقع ، والسيطرة ، والمال ، وسيارات الدفع الرباعي المظللة  التي لا نعرفها عنها في كثير من الأحيان ، هل هي لنا أم علينا  .من المؤسف أن نقع مرة أخرى تحت وهم الاحساس بالتفضيل النسبي بين هذا وذاك ، فإذا أردنا أن نحدد سنوات العزلة الماضية بين الحكام والمواطنين ، وبين الشعب واعضاء مجلس النواب ، فأن السنوات القادمة لا تختلف عنها ابداً ، فهي من وجهة نظرهم محاولات النجاح وسط جمهور فقد البوصلة في تحديد الرؤية ، ومن  وجهة نظرنا بتنا لا نملك قدرة وقوة في مواجهة الاختطاف  وتحديد الهدف ، وفي كلا الحالتين تكشفان لنا ، ضعف القوة لدى الشعب ، وفقدان الرهّبة لدى الحكام والكتل السياسية من الشعب والدولة ، والحاكم إذا لم يخش الشعب يفقد قوة العمل والاداء . وهذان الأمران يدفعان باتجاه الإضمحلال  والتأكل لمجتمع ثمة عملية تخريب لعلاقاته واصوله وانتماءاته . فالأمر سيان بين حكام يخطفون شعباً  ومحميون من وعاظ السلاطين ، وبين داعش التي تختطف مدينة ومحمية من سياسيون وشيوخ عشائر ورجال دين ووعاظ يتصرفون بالايات حسب وجهة أكلة لحوم البشر ، ففي كل الازمان يخرج من يبدع في تلوين الافكار بغية انتزاع الإرادات للوصول لجبهة الدماء النقية لإفسادها، ، ولعل أخطر عمليات الإفساد هو ذاك الذي يدمر شعباً ووطناً لكي يبني عش الغربان فوق منائر المدن باسم الدفاع عن الداعشية الطائفية والعرقية العنصرية . كما ليس مستغرباً أن تخُتطف الأبصار والأسماع  لكي يجتمع ممثلو ( الشعب ) لدراسة السبل لمعالجة أزمة داعش في الفلوجة ، ولم يجتمع هؤلاء الممثلين لمعالجة أزمة حق شعب في تقرير الموازنة ومعالجة قضاياه ، من النواحي البنيوية ، والمعيشية ، والصحية ، والاقتصادية ، والإسكانية ، والمدنية ، والانسانية ، والعلاقات الاجتماعية .نحن مخطوفون لمعارك وهمية ، واسوأ عمليات الخطف واقذرها ، هي تلك التي يتم استغفالنا بها . هم قادمون ، بمسميات ووجوه قد فشلت في الماضي ، ونفسهم عائد ون لتكرار الفشل ، ونتيجة لغفلتنا واستغفالنا لا نملك إلا قول ( نعوذ بالله من شر ماخلق ) . نعوذ بالله ، من كل الذين يقلبون الحقائق ، والذين يسعون للحديث عنا كأننا قوم لانميز بين ضروراتنا اليومية ، وبين المؤجل من الحاجيات ، نحن نعرف إن كل شيء قابل للتسوية والعلاج ، إلا ذاك الذي يصل لحالة الانتهاك الصارخ لحقوقنا ، وذاك الذي لايميز بين الانسان ونقيضه من المفرقين والقتلة الذين اختطفوا مدينة ويزعمون إنهم مواطنون ، فتلك هي المملكة السعودية استشعرت الخطر بداخلها فحددت اتجاهات المواجهة ، وهي الدولة الاكثر أمانا من غيرها ، فلماذا إذن عندنا  تُستنفز الانفس عندما يكون القرار ، وتكون المواجهة لتخليص مدينة من الاغتصاب . حتماً ليس من المقبولية أن يتم تصنيفنا على إننا جماعات تلهث وراء اقوامها ، تاركين خلفنا جوهر انتمائنا لوطنيتنا ، نحن عراقيون إنتماؤنا للوطن فوق كل إنتماء ، ماينقصنا فقط هو تحديد وجهة اختياراتنا ، فالمرحلة لاتسمح لتأجيل الموقف ، ولا بالاختيارات الخاطئة .