جريمة الإتجار بالنساء .. أين هي الحكومة ؟

 

 بالرغم من أن موضوع الإتجار بالبشر في العراق، وخصوصا الإتجار بالنساء والفتيات، قد تم استعراضه بشكل مستمر سواء كان من أشخاص او منظمات المجتمع المدني، إلا أنني وجدت أن الوقت الآن قد حان لتذكير السلطات الحكومية العراقية المختصة بخطورة هذه الجريمة وما وصل إليه حالها بعد أن تناسته تلك السلطات عن عمد، ربما، وخصوصا بعض السياسيين الذين يقفون ويدعمون هذه الأفعال الإجرامية بحق العراقيات.

وفي البداية، على المواطن العراقي أن يعرف، وبشكل مبسط، ما هو الإتجار بالبشر.

 الاتجار بالبشر هو تجارة البشر والأكثر شيوعا فيها هو لغرض الاستعباد الجنسي والسخرة أو الاستغلال الجنسي التجاري للمهرّب أو غيره. وهذا قد يشمل الزواج القسري أو نزع الأعضاء أو الأنسجة، بما في ذلك تأجير الأرحام وإزالة البويضات. والاتجار بالبشر هو جريمة ضد الشخص الضحية بسبب انتهاك حقوقه في نقله عن طريق الإكراه واستغلاله تجاريا. ففي عام 2012? قدرت منظمة العمل الدولية أنه كان هناك 21 مليون شخص ضحايا العبودية في العصر الحديث . ومن بين هؤلاء، تم استغلال 4.5 مليون نسمة 22) ) استغلالا جنسيا. وبهذا فإن الاتجار بالبشر هو أسرع الأنشطة الإجـــــرامية نموا على الإطـــلاق.

العراق ثانيا .. مع الاسف !

 هذا وقد أصبح للإتجار بالبشر في العراق صدى دولي إستدعت ذكره وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي لعام 2016 حول الاتجار بالبشر حين اتهمت فيه دولاً عربية وغير عربية في العالم بممارسة هذه التجارة غير القانونية وغير الإنسانية. وفي ذلك التقرير، حل العراق ومعه إقليم كردستان في المرتبة الثانية من بين 27  دولة في العالم التي لا تتبع الحد الأدنى من المعايير الدولية في مجال محاربة الاتجار بالبشر.

 وبشكل خاص، لم يستثنِ تقرير الخارجية الأمريكية إقليم كردستان فقط، بل وجه إليه انتقاداً شديداً بسبب وجود حالات الاتجار باللاجئين والنازحين في المخيمات وخاصة النساء السوريات والعراقيات، حيث أشار التقرير إلى أن نساء لاجئات من سورية والعراق في إقليم كردستان يتعرضن لعمليات متاجرة يشارك فيها رجال مؤسسات أمنية تابعة للحكومة في الإقليم، كون التقرير سلط الضوء على مخيم “دوميز” الذي يقع في محافظة دهوك. تجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية إستندت في تقريرها إلى معلومات من منظمات غير حكومية.

 وقبل ذلك نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش في شباط 2011 حقائق مفزعة عن الاتجار الجنسي بالنساء في تقريرها السنوي الخاص بالعراق حيث أكد التقرير أنه ومنذ غزو العراق عام 2003  أدى تدهور الوضع الأمني والنزوح والمصاعب المالية والتحلّل الاجتماعي وتحلّل سيادة القانون وسيادة الدولة أجمعها إلى زيادة الإتجار بالنساء والدعارة الجبرية. ويضيف التقرير أنه استناداً إلى “سجل الهجرة الجبرية”، بين عامي 2003  و2007  أصبحت نحو 3500  امرأة عراقية مفقودة، ويُرجح أن جزءاً من هذا العدد قد فُقِدَ في عمليات إتجار بالنساء لأغراض الدعارة.

 ورغم أن العراق قد أصدر قانوناً يجرم الاتجار بالبشر استناداً إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 عام 2012  وكذلك الأمر بالنسبة لبرلمان إقليم كردستان الذي أصدر قراراً يمنع فيه هذه التجارة البائسة في نيسان2011  ولكنه لم يتم تنفيذهما بالشكل المطلوب حتى الآن.

دولة ضعيفة

 إن سبب ما يجري في العراق هو، وبكل وضوح، أننا نعيش في دولة ضعيفة، وفي الدولة الضعيفة تنشط كل أنواع الجريمة، وهو ما يحصل اليوم حيث أن خلافات الساسة وأنانيتهم مع غياب الرؤية وصعود من لا يستحق إلى كرسي القرار، قد اوجد كيانا سياسيا هشا مما جعل العراق من افسد دول العالم، وهكذا وجدت الجريمة بيئة مناسبة لها في العراق لتنشط.

الاتجار والضعف الحكومي

 إن من صنع جريمة الاتجار بالبشر هو النظام السياسي الضعيف في العراق وهو وحده يتحمل تبعات كل جريمة تحدث لكل مواطن بسيط، وهذا الأمر يستشعره الساسة وهم يفهمون أن عدم لعب دورهم في حماية المواطن هو السبب الرئيس في عملية توفير المناخ المناسب لهذه الجريمة.

 فكلنا نعرف أنه منذ عام 2003 تم تشكيل حكومات بناءً على سياسات التفرقة المفروضة على أساس الطائفة والعرق والجنس، وبهذا فشلت هذه الحكومات المتعاقبة بفرض سيادة القانون، مما سمح للمتطرفين بشغل مناصب في السلطة، وحيث تسلل سماسرة تجارة البشر وسدنة سوق النخاسة إلى المنظومة الأخلاقية العراقية التي كانت الأكثر تماسكاً، حتى في أكثر أيام الحرب العراقية – الايرانية ضراوة، وبدأوا إنقضاضهم على هذه المنظومة والنخر في بنيتها، لينتج عن ذلك مجموعة من الظواهر الخطيرة ومن أكثرها خطورة هي ظاهرة الإتجار بالبشر، وخصوصا النساء والفتيات. كما أنه بعد غزو العراق في عام 2003 سادت الفوضى وضعف تطبيق القوانين وارتكبت جرائم الاتجار بالنساء والفتيات بنطاق واسع وكانت اسبابها الرئيسية هي وجود عصابات كثيرة استغلت الضعف الامني وحيث تم فتح سوق لبيع النساء في العراق، غير ان الحركات النسوية طالبت الدولة باستمرار للانضمام الى الاتفاقيات الدولية لمناهضة لهذه التجارة البعيدة عن الحس الانساني الى ان اعترفت السلطة بمدى خطورة هذه الجرائم فتم تشريع القانون رقم  28 لسنة 2012  الذي لا يخلو من عيوب ونواقص حيث لم يكن كافيا ليردع الجناة بسبب تلك الثغرات العديدة التي تسهل هروب الجناة من العقاب.

 كما وهناك مصادر كشفت تقارير عدة صدرت عن منظمات إنسانية تعنى بحقوق الإنسان وحرية المرأة أفادت بأن عشرات العصابات التي يديرها أو يشرف عليها بعض مشايخ وأثرياء الخليج شكلت شبكات واسعة من مافيا الاتجار بالرقيق الأبيض، وقامت بتهريب آلاف الفتيات العراقيات من العراق بحجة العمل كخادمات في المنازل وكذلك خطفت العصابات المذكورة المئات منهن وتم نقلهن إلى دول الخليج ليجبرن جميعا على بيع أجسادهن والعمل في الملاهي ودور المتعة المحرمة الرخيصة.

جوار في بيوت الاغنياء

 فقد أورد تقرير أصدرته شبكة ايرين التابعة للامم المتحدة أن 3500 فتاة سجلت في عداد المفقودين، فيما يعتقد أنهن سافرن إلى أماكن مختلفة من الشرق الأوسط، لينخرطن في عباب الرذيلة والعهر، ويصبحن جواري في قصور الأثرياء والأمراء، في صورة من صور العبودية المقززة  التي لا تقرها القوانين الإنسانية التي أصدرتها المنظمات الدولية فيما يتعذر إحصاء الفتيات اللواتي يهربن عن طريق سوريا أو الأردن لعدم وجود إحصائيات دقيقة عن أعداد النساء اللواتي جرى إخراجهن قسرا من العراق إذ أن الحصول على الإحصائيات المتعلقة بأعداد النساء العراقيات اللواتي تعرضن لتجارة الجنس، أمراً أقرب للمستحيل.

 من المستغرب في هذا الشأن أن الحكومة العراقية أكدت أن بيع فتيات عراقيات ومنهن صغيرات السن لمنظمات الاتجار بالبشر ثم تسفيرهن إلى دول الجوار ودول الخليج  ظاهرة موجودة والحكومة تعلم بها وتحاول ردعها وذلك ردا على رئيسة منظمة عراقية مدافعة عن حقوق النساء قالت إن منظمتها سجلت إقبال خليجيين على فتيات عراقيات صغيرات في السن مقابل مبالغ مالية وصلت إلى آلاف الدولارات ليتم التمتع بهن لسنة ثم تركهن في أسواق النخاسة.

 كما واعترف عضو في مجلس النواب العراقي بتفشي ظاهرة الاتجار بالبشر، كاشفاً ان هناك اذرعاً خارجية واجندات اقليمية مسؤولة عن ادارة “عصابات متخصصة”. ويعتقد هذا النائب أن هناك اذرعاً خارجية واجندات اقليمية لهذه العصابات المتخصصة في الاتجار بالبشر وفي ظل ايادي ارهابية.

مشروع حماية المرأة

 والآن وقد مضى ما يقرب من عام على مقترح مشروع حماية المراة من عنف الاتّجار والاستغلال في العراق الذي قدمته للحكومة العراقية “شبكة مكافحة الاتّجار بالمرأة في العراق” المعنية بالدفاع عن المرأة والذي تضمن بالدرجة الأساس تذكير الحكومة أن  مهمة حماية المرأة وتمكينها في العراق هو واجب ومسؤولية الدولة، التي لا يحق لها ان تتنصل منها، إلا أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء حول ذلك المقترح.إننا نرى أن القضاء على الظاهرة/الجريمة الإجتماعية الخطيرة يأتي من قبل السلطة الحاكمة من خلال الأخذ وتنفيذ المشروع المنوه عنه أعلاه، وكذلك:

  1. تفعيل قانون مكافحة الاتجار بالبشر، الصادر في عام 2012 والذي لو تم تفعيل كل بنوده لتم تجفيف روافد هذه التجارة، فهو يضمن حفظ حقوق العراقيين، وملاحقة عصابات الخطف الإجرامية، وسماسرة الاتجار بالبشر.
  2. 2. على الحكومة الإسراع بوضع برنامج فعلي لخفض معدلات الفقر، لان الفقر هو سبب وقوع بعض النسوة والفتيات ضحية سهلة بيد سماسرة وعصابات الاتجار بالبشر.
  3. 3. دعوة كافة وسائل الأعلام لتسليط الضوء بشكل كبير على قضية الاتجار بالبشر من أجل توعية المواطنين ضد الوقوع في شرك الأكاذيب التي يعتمد عليها السماسرة للإيقاع بالنساء.