العرب السنة في العراق.. والاخطاء الثلاث القاتلة

 

يمكن اعتبار عزوف المكون السني عن الانتخابات الاولى في العراق ووقوفه ضد العملية السياسية من اولى الاخطاء القاتلة التي ارتكبها هذا المكون بعد الاحتلال الامريكي وفسح المجال امام المكون الاخر الشيعي للتحكم والسيطرة على مجمل مجريات العملية السياسية في وتوجيهها بالكيفية التي تضمن مصالحه السياسية , بينما تمثل المكون السني في بعض المجاميع المسلحة التي انخرطت في عمليات (مقاومة) مسلحة ضد الوجود الامريكي لغاية خروج الجيش الامريكي المحتل وإفساح المجال لإيران للاستفراد بالساحة العراقية مما شكل علامة استفهام كبيرة حول ماهية هذه المقاومة والأجندات التي كانت تنفذها والجهة التي كانت تعمل لها .
وبقي الشارع السني يتوجس خيفة من العملية السياسية حتى بعد مشاركة بعض ساستهم في الانتخابات الثانية واستمرت نظرتهم للساسة المشاركين فيها يشوبها الكثير من الحذر والشكوك في مدى اخلاص هؤلاء للتعبير عن مشاكل وهموم هذا المكون الكبير . وبالمقابل فقد ادت قلة خبرة الساسة هؤلاء الى فشلهم في استقطاب الشارع السني الذي يمثلونه وانخرطوا في اجندات اقليمية تدعمها دول عربية وغير عربية مما اثر على ادائهم السياسي ووحدة رؤاهم في التعبير عن حقوق ومطالب المكون الذي ينتمون اليه مما فاقم عدم ثقة هذا الشارع بهم وافقدهم البوصلة السياسية الصحيحة .
وبعد تزايد شعور هذا المكون بالتهميش وانشغال ( ساستهم ) بالتنافس على المناصب وكذلك الممارسات التعسفية لنظام المالكي حياله لم يبق امامهم إلا الخروج في تظاهرات واعتصامات بدأتها الانبار وعمت كل المدن السنية في العراق .
والخطأ الثاني الذي ارتكبه السنة في العراق هو في ادارة هذه التظاهرات .. فقد بدأت التظاهرات هذه بشكل عفوي يقودها شيوخ عشائر ورجال دين لا يمتون للسياسة بصلة ويفتقرون الى الخبرة اللازمة لإدارة هكذا فعاليات جماهيرية ويمكن اعتبار هذه النقطة من اخطر ما يواجه الاعتصامات وعدم السيطرة عليها يمكن ان تتسبب في تداعيات كثيرة . وهكذا استمرت هذه التظاهرات دون اثر فاعل في ايقاف غطرسة المالكي . ويمكن تلخيص الاخطاء التي ارتكبت في الاعتصامات هذه في النقاط التالية :-
- كما قلنا سابقا فان عدم وجود دراية سياسية كافية لقادة التظاهرات واقتصارها على رجال الدين وشيوخ العشائر اضعف الاداء السياسي لها .
- عدم وجود قيادة سياسية موحدة للمظاهرات , وهنا لا نقصد قيادات تنسيقية وإنما وجود شخصية سياسية تستطيع حشد هذا الفعل الجماهيري في كل المدن السنية وتوجيهها بالشكل السليم لتكون فاعلة .
- عدم امتلاك المتحدثين باسم التظاهرات للخبرة الاعلامية الكافية في تجير الاحداث والتطورات لصالحهم افتقار التظاهرات لأجهزة اعلام حقيقية تنقل الحدث بما يخدم التظاهرات وعدم توحيد خطابهم الاعلامي ففي الوقت الذي كنا نسمع تصريحات عالية النبرة من طرف كنا نشهد تهدئة في طرف اخر او في مدينة اخرى تصل مرات لحد التنازل عن مطالب معينة .
- محاولة بعض المجاميع المجهولة الولاء لاستغلال ما حصل في الحويجة وتحويل الاعتصامات السلمية الى اشتباكات مسلحة بينها وبين جيش المالكي وقد جير المالكي هذه الاشتباكات لاتهام المعتصمين بها وكانت ردود افعال المعتصمين متخبطة جدا اضعفت التظاهرات بشكل كبير . وتمكنت الحكومة من شق صف المتظاهرين وتسببت بإرباك حقيقي بينهم لعدم وجود قيادة سياسية حقيقية لهم وعدم وجود رؤى سياسية لديهم .

- هاجس استغلال هذه التظاهرات من قبل بعض المجاميع المسلحة المجهولة الاجندة ادت ببعض ساحات الاعتصام الى ردود فعل قوية وصلت الى احتمال انهاء الاعتصامات كإحدى الخيارات التي طرحت قبل ايام مما اثر سلبا على الجهد الجماهيري وأضعفت من ارادة المعتصمين في ديمومة تظاهراتهم .

- شهدت الجمعة الاخيرة ( جمعة الخيارات المفتوحة) تراشقا للاتهامات بين المعتصمين انفسهم ففي حين دعى المتظاهرون في بعض المدن السنية الى تشكيل لجان جديدة للتفاوض مع الحكومة دعت بعض المدن الاخرى الى جعل مطلب اسقاط المالكي هو المطلب الرئيسي للمتظاهرين بدل المطالبة بالإقليم السني الذي رفعه البعض وعارضه البعض الاخر في ساحات الاعتصام .

لا اتصور ان اسقاط المالكي سيحل مشكلة المكون السني في العراق لان المشكلة لا تكمن في شخص المالكي ولا من يترأس مجلس الوزراء بقدر ما هي في التركيبة السياسية التي تضم احزاب الاغلبية الشيعية والمتمثلة في التحالف الوطني ( الشيعي ) والتي تتبنى كلها طرحا سياسيا واحدا تشترك في العموميات وتختلف ربما في التفاصيل فقط ومشكلة المكون السني تكمن في عموميات الطرح الشيعي في العراق , اذا لن يكون هناك أي تغير في توجهات الحكومة العراقية فيما اذا استبدل المالكي بشخصية اخرى من التحالف الوطني . لهذا فان مطلب تغير المالكي سيكون خطا ثالثا يرتكبه المكون السني فيما اذا اصر عليه .

اما خيار الاقليم السني فيبدو ان السنة في العراق يرون انهم ليسوا مستعدين لهذا المطلب او متخوفين من ان قيام هكذا اقليم سيسفر عن اقتتال داخلي سني سني بوجود مجاميع اسلامية مسلحة وبقايا انصار حزب البعث وبعض تشيكلات الصحوة المسلحين والمرتبطين بالمالكي , ولا ننسى ان دول الجوار السنية منها او ايران لن تدع الاقليم هذا يعيش حالة من الاستقرار في حال قيامه . كل هذه التخوفات بالإضافة الى قلة موارد هذا الاقليم يجعل خيار الاقليم السني خيارا غير مستساغا عند هذا المكون .
الخيارات المتاحة للمكون السني ليست سهلة كما يضن البعض فهم يعيشون بين مطرقة ممارسات المالكي و تطورات وضع الربيع السوري وإقحامهم في هذا الصراع الاقليمي فهل سيستطيع التغلب على التحديات ؟