صورة من المسؤول

لاشك‭ ‬أنَّ‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬يلتقطها‭ ‬المواطن‭ ‬مع‭ ‬مسؤول‭ ‬رفيع،تكون‭ ‬نعمة‭ ‬عليه‭ ‬ويتباهى‭ ‬بها‭ ‬أمام‭ ‬الناس،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬المسؤول‭ ‬نزيهاً‭ ‬ولما‭ ‬يزل‭ ‬يتبوأ‭ ‬منصبه‭ ‬السيادي،‭ ‬وتصبح‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬نقمةً‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬وعاراً‭ ‬وشناراً‭ ‬عليه،‭ ‬إذا‭ ‬أزيح‭ ‬ذلك‭ ‬المسؤول‭ ‬من‭ ‬منصبه‭ ‬نتيجة‭ ‬تغير‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬لاتهامه‭ ‬بالفساد‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسباب،‭ ‬أعرف‭ ‬أحد‭ ‬الأقارب‭ ‬ظل‭ ‬يحتفظ‭ ‬بصورة‭ ‬تجمعه‭ ‬مع‭ ‬الزعيم‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬قاسم‭ ‬برغم‭ ‬العواقب‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬تنتظره‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬العثور‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجهات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬ومن‭ ‬شدة‭ ‬قلقه‭ ‬ورعبه‭ ‬دفن‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬تحت‭ ‬التراب‭ ‬بعد‭ ‬تغليفها‭ ‬بغطاء‭ ‬نايلون‭ ‬يحافظ‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬التلف،‭ ‬ولما‭ ‬سقط‭ ‬الصنم‭ ‬رأيت‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تجمعه‭ ‬مع‭ ‬الزعيم‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬الضيوف‭. ‬إنَّ‭ ‬وفاء‭ ‬قريبي‭ ‬ومحبته‭ ‬للزعيم‭ ‬كانت‭ ‬مصدر‭ ‬فخر‭ ‬لنفسه‭ ‬وضميره‭ ‬قبل‭ ‬الآخرين،‭ ‬بينما‭ ‬يعرف‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬‮«‬الرفاق‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬تجمعهم‭ ‬صورة‭ ‬تذكارية‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬المخلوع‭ ‬سارعوا‭ ‬إلى‭ ‬حرقها‭ ‬مع‭ ‬بذلة‭ ‬الزيتوني،‭ ‬وإرتدوا‭ ‬عمامة‭ ‬وجبّة‭ ‬وصاروا‭ ‬يصلون‭ ‬خلف‭ ‬‮«‬السيّد‮»‬‭ ‬في‭ ‬الجوامع‭ ‬والحسينيات،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬البلاد‭ ‬الآن؟‭ ‬أجل‭ ‬هناك‭ ‬أناس‭ ‬مغرمون‭ ‬بالمناصب،‭ ‬ويستبدلون‭ ‬جلودهم‭ ‬ببراعة‭ ‬حتى‭ ‬تلائم‭ ‬مزاج‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬البلاد،‭ ‬وبوسعهم‭ ‬أن‭ ‬يمسحوا‭ ‬وجوههم‭ ‬بحذاء‭ ‬المسؤول‭ ‬حتى‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬منصب‭ ‬يدعهم‭ ‬في‭ ‬بحبوحة‭ ‬ووجاهة‭ ‬أمام‭ ‬الناس‭ ‬ولتذهب‭ ‬كرامتهم‭ ‬إلى‭ ‬الحضيض‭.‬ويمكن‭ ‬الاستدلال‭ ‬عليهم‭ ‬بسهولة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نظرتم‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬الخضراء‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬حيث‭ ‬تجد‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬اختاروا‭ ‬الكرسي‭ ‬ودفنوا‭ ‬كرامتهم‭ ‬تحت‭ ‬التراب‭.‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬شاعراً‭ ‬للأطفال‭ ‬يتصف‭ ‬بالظرافة،‭ ‬كان‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬جيبه‭ ‬صورة‭ ‬تجمعه‭ ‬بالرئيس‭ ‬المخلوع،‭ ‬والواقع‭ ‬كان‭ ‬يحملها‭ ‬ليس‭ ‬للتباهي‭ ‬إنما‭ ‬لدرأ‭ ‬الخطر‭ ‬عنه‭ ‬عندما‭ ‬يتعرض‭ ‬لمواقف‭ ‬حرجة‭ ‬أو‭ ‬لتهديد‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬الحانة‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬دفع‭ ‬الحساب؟‭ ‬وحدث‭ ‬أني‭ ‬كنت‭ ‬أجلس‭ ‬برفقته‭ ‬في‭ ‬حانة‭ ‬نشاهد‭ ‬مباراة‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬بين‭ ‬منتخب‭ ‬العراق‭ ‬ومنتخب‭ ‬الأردن،‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬أعصابه‭ ‬بعد‭ ‬تسجيل‭ ‬الهدف‭ ‬الرابع‭ ‬في‭ ‬مرمانا،‭ ‬إذ‭ ‬لعن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬وكان‭ ‬يعني‭ ‬الأرعن‭ ‬عدي،‭ ‬فتقدم‭ ‬نحوه‭ ‬رجلان‭ ‬يتطاير‭ ‬من‭ ‬عينهما‭ ‬الشرر،‭ ‬يبدو‭ ‬إنهما‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬السري،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يحملانه‭ ‬إلى‭ ‬المسلخ‭ ‬أخرج‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تجمعه‭ ‬بالرئيس‭ ‬المخلوع‭ ‬من‭ ‬جيبه‭ ‬وعرضها‭ ‬عليهما،‭ ‬فتسمرا‭ ‬في‭ ‬مكانهما‭ ‬بينما‭ ‬طفت‭ ‬ابتسامة‭ ‬واثقة‭ ‬على‭ ‬وجهه‭. ‬عرفت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬المسكين‭ ‬عندما‭ ‬فارق‭ ‬الحياة‭ ‬وجدوا‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تجمعه‭ ‬بالرئيس‭ ‬المخلوع‭ ‬تحت‭ ‬وسادته‭.‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬جعلني‭ ‬أتذكر‭ ‬موضوع‭ ‬صورة‭ ‬مع‭ ‬المسؤول،‭ ‬أن‭ ‬أخي‭ ‬الأكبر‭ ‬نشر‭ ‬على‭ ‬صفحته‭ ‬في‭ ‬الفيس‭ ‬بوك‭ ‬صورة‭ ‬تجمعه‭ ‬بمحافظ‭ ‬كربلاء،‭ ‬ولم‭ ‬تمض‭ ‬سوى‭ ‬دقائق‭ ‬حتى‭ ‬انهالت‭ ‬تعليقات‭ ‬تشجب‭ ‬هذه‭ ‬الصورة،‭ ‬وكيف‭ ‬لإعلامي‭ ‬مثله‭ ‬راهنوا‭ ‬على‭ ‬شجاعته‭ ‬ونزاهته‭ ‬يلتقط‭ ‬صورة‭ ‬مع‭ ‬مسؤول‭ ‬تدور‭ ‬حوله‭ ‬شبهات‭ ‬فساد؟‭ ‬وكأنَّ‭ ‬أخي‭ ‬شريك‭ ‬أساسي‭ ‬بمغانم‭ ‬المحافظ،‭ ‬برغم‭ ‬يقيني‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الذين‭ ‬احتجوا‭ ‬على‭ ‬الصورة،‭ ‬يتمنون‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬يقفون‭ ‬بدلاً‭ ‬عن‭ ‬أخي‭ ‬مع‭ ‬المحافظ،‭ ‬لكنهم‭ ‬نشروا‭ ‬وطنية‭ ‬زائفة‭ ‬بتعليقاتهم‭ ‬النارية‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الصورة،أجل‭ ‬صداقة‭ ‬المسؤول‭ ‬نقمة‭ ‬ووصمة‭ ‬خزي‭ ‬عندما‭ ‬تنشد‭ ‬منها‭ ‬مصلحة‭ ‬ذاتية‭ ‬ومنفعة‭ ‬شخصية،‭ ‬لكنها‭ ‬تصبح‭ ‬مفخرة‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬ندّاً‭ ‬لصديقك‭ ‬المسؤول‭ ‬وتخبره‭ ‬بكل‭ ‬صراحة‭ ‬عن‭ ‬أخطائه‭ ‬وهفواتهُ‭ ‬ومايجول‭ ‬في‭ ‬رأسك‭ ‬وقلبك،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يفعلهُ‭ ‬صديقي‭ ‬الشاعر‭ ‬كزار‭ ‬حنتوش‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬المسؤول‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬تعلمته‭ ‬منهُ‭ ‬وأحرص‭ ‬على‭ ‬فعلهِ‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭.‬