مؤتمرات الجراحة النازفة

 

في كل المقاييس الوطنية والاخلاقية والانسانية ، إن أي مؤتمر أو تجمع أو موقف خارج نص الدماء السيالة في الموصل ، هو بالضرورة مشكوك فيه، أو على أي تقدير ، هي تجمعات على حساب الدماء ، والمشردين ، والموجوعين ، في مدينة الموصل ، ومن يرى تلك الطفولة الزاحفة في الطرق الوعرة نحو مناطق الامان من بطش داعش ، وينظر في الوقت ذاته للوجوه الملمعة ، والبدلات الانيقة ، والعمائم المتنقلة من مكان لاخر ، والابتسامات المحبوسة بغصة المجاملات الفارغة ، من يراها في مؤتمر انقرة يشعر بالحزن لهذا الوطن المبتلــى بكلمات الانتماء .

في كل ادبيات السياسات الوطنية والتحررية ، في الماضي القريب ، وما قبله ، لم تسجل الذاكرة ، إن مدن الوطن تستباح ، وشعب يقدم انهاراً من الدماء دفاعا عنها ، وصبايا وامهات ينتهكن  ، وطفولة هائمة شاردة في الوديان الموحشة ، والاف الناس محبوسين في سجون (الدولة الاسلامية دروعاً بشرية)  داعش ، وزعماء اللحظة المنسية دعاة الانتماء للعراق يجتمعون في الدولة المجاورة للموصل لبحث دويلة الاقليم على اشلاء العجائز لكي تكون الدويلة الخامسة والعشرون المضافة للجامعة العربية .

لم يشهد العراق في تاريخه الحديث ، ولاحتى في حكايات الف ليلة وليلة ، نصا يشير إلى إنه في الوقت الذي يخوض فيه الجيش والحشد ومعهم الشعب معارك قل نظيرها ، لتخليص الموصل من اعتى هجمة همجية ومن قتل جماعي وسبي للنساء وبيعهن في سوق الرق ، وهناك اناس يدعون الانتماء لاهل الموصل ، متضامنين معهم من ساهم بنقل الدواعش من اسواق وارصفة العالم لمدينة الموصل يعقدون مؤتمرات لبحث عناصر وبرامج الدويلة المسمى اقليم مابعد داعش .

يبدو إن المجتمعين في انقرة أو اولئك الذين سبقوهم في جنيف ، لم يدروا بان معارك التحرير التي جرت في تكريت والرمادي وديالى والجارية في الموصل  ، قد افرزت قيادات جديدة وجماهير ليست ملوثة بعنصرية المذاهب ، افرزت تلك القيادات التي حملت البنادق واصطفت في خنادق القتال الجامعة لكل العراقيين ، هي المؤهلة فعليا لادارة النضال السياسي الوطني وبناء الدولة العراقية الوطنية القوية المهابة .

اجتماعات انقرة تأتي في المناطق الرمادية التي لايحسب لها الشعب ولااهل الموصل أي قيمة ، سوى انها صفحة من صفحات التجمعات التي غنت فيها قيادات الدواعش والقاعدة وسهلت دخولها للموصل ومدن العراق الاخرى ، لن تتكرر هذه الصفحات ، ليس برغبة من أحد وإنما تأكيد لارادة الجماهير التي اكتوت بنيران تلك الصفحات الملوثة بالتفرقة والارهاب واموال الانظمة التي سهلت لغزو العراق ودعمت الغزاة بالمعلومة والمال .

من ينظر للألاف المؤلفة من المشردين النازحون من ديارهم وأمكنة وطنهم ، فأنه يشير بلا أدنى تردد لأولئك المجتمعون في دول الغربة للبحث عن تشكيل اقليم الفرقة ، فتجربة السنوات الماضية لن تتكرر مرة اخرى ، فهناك من ادرك حقيقة هؤلاء وعرف إن العراق لن يقبل القسمة وان وحدة الجماهير الشعبية اقوى من رغبات وهواجس السياسيين الطامعين بوطن ضعيف ومال سائب . صحيح ليس من السهل تحقيق ذلك ، ولكن الاصح هو شعور الناس بأن هؤلاء لايمثلون ارادتهم ، وهم بالنتيجة زائلون كما زال غيرهم .

الشعب ادرك بان الخلاص الوحيد لازماته وفرقته ، هو ببناء دولة عراقية وطنية يحكمها المخلصون المؤمنون بالانتماء لهذا الوطن وتعزيز قيمته الاعتبارية بين منظومة الدول .  ابناء الموصل يعرفون بان الاخطار المحدقة بهم كثير ، وان المواجهة الحقيقية لم تبدأ بعد ، فداعش في طريقها للزوال ، ولكن هناك دواعش السياسة لازالوا يبحثون عن وسائل وطرق اخرى لعودة داعش ولكن بشكيل وثوب ولون جديد، وهذا بالتأكيد من اخطر المعارك القادمة ، واهل نينوى المعروفون بالفطنة والحداثة والمعرفة قادرون فعليا للتصدى واحباط تلك المشاريع، ومعهم بالتأكيد كل الشعب العراقي ، فالمؤامرات التي تعقد فوق الدماء السيالة  ستسقط حتما مثلما  فشل رعاة ومشغلو الدواعش في الموصل .