كلما اقترب العراق من حافات الانفراج على مستوى الحرب الدائرة بالضد من داعش والتخلف، كلما سارع البعض من السياسيين بمسك عصيهم ودفاترهم والجري هرولةً صوب الخارج في اتصالات وتخابر وتنسيق وعقد مؤتمرات، وكأن البلد الذي هم فيه ليس بلدهم، وكأن الحكومة التي يشارك بعضهم فيها منذ التغيير في عام ٢٠٠٣ هي ليست حكومتهم. والهرولة الأخيرة كانت باتجاه اسطنبول، وعقدوا فيها مؤتمراً، كان بتشكيلته وأهدافه وأصول المشاركين فيه لا يمكن عده عراقياً خالصاً. لكن هذا لا يهم لأننا في العراق عجزنا من قبل ونعجز الآن عن أن ننتج مؤتمراً عراقياً بمواصفات وأهداف عراقية، يجمع كل الأبناء من التركيبة المتعددة، وعجزنا أيضا عن أن ننتج تنظيماً سياسياً يمكن القول وعلى وفق نفس الاساس أنه عراقي، لأننا وفي الخطوة الأولى التي نخطوها لإنتاج مثل هكذا تنظيمات نتوجه الى من يسير معنا في نفس الطريق القومي أو الطائفي والمحصلة انتاج تنظيم نصف عراقي. المهم أن المؤتمر قد عقد بمباركة واستضافة وتوجيه أجنبي واضح المعالم، وهذا عامل سيدفع البعض من العراقيين للوقوف بالضد منه تحالفاً أو عملاً لأن تجربتهم في الوقوف تحت مظلة الخارج كانت فاشلة ومأساوية، والمهم أن المشاركين فيه خليط من أصحاب رأس المال وهواة في السياسة، وهم يعتقدون أن للمال الذي يدفعونه ثمناً سياسياً قوامه الوقوف في الصفوف القيادية الأولى، وهذا وان كان المال في عراقنا الآن هو المحرك الاساسي لأغلب أوجه السياسة، لكن أصحابه القادمين الى هذا المؤتمر لم تكن لهم الخبرة الكافية لإدارة العمل السياسي كما هي ادارتهم لرأس المال. والأهم من هذه الشكليات هي المشاريع التي طرحت في المؤتمر والتي يتعلق بعضها بالخصوصية السنية ومسألة الاقاليم التي هي مشاريع أو أفكار على الرغم من وجودها حلاً من بين الحلول المطروحة للتعامل مع التناحر الجاهل بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد الا انها أفكار لم تنضج بعد، وقادتها من السياسيين الذين فشل بعضهم في انقاذ العراق من محنته سيكونون غير مؤهلين عملياً لإنجاح مثل هكذا مشاريع فيها الامتدادات والمصالح الخارجية واضحة المعالم. ان العراق الآن في حرب بانت نهايتها، وهو بالتالي بحاجة الى الخروج من آثارها واعادة بناء ما خربته تلك الحرب في محافظات يدعي المؤتمرون أنهم منها، وهذه حاجة لا يمكن أن تتحقق في مؤتمرات تعقد في الخارج من أجل الضغط الذي سينتج عند الجانب الآخر مشاعر تحدٍ بالضد لتكوين ضغط مقابل، وهكذا نبقى أو يبقينا البعض من السياسيين في دوامة التحديات.. ندفع ثمن الوثوق بهم وتصديقهم أو حتى التصفيق لهم دون وعي بالتبعات، تاركين اعادة الاعمار وبسط الأمن جانباً على الرغم من أهميتهما في اعادة الحياة لشعب اقترب من أن يفقدها نفسياً. |