كراهيات {فيسبوك} العراقي

ربما أستطيع القول من دون أي تردد أن لا نسخة أخرى من نسخ فيسبوك تعيش توتراً ومجانية ولا مسؤولية في التفكير وإطلاق الأحكام وتمرير الضغائن من دون أي رادع من ضمير أكثر من هذا الكم المخزي من الوساخة المهيمنة على النسخة العراقية من فيسبوك.
يجب أن لا نتردد في تقبل الصدمات.
الرأي الذي يرِد على الخاطر مباشرةً هو أن فيسبوك تعبير عن وجودنا في هذه اللحظة التاريخية المأزومة والمشحونة بالتوتر دائماً.
هل يتوجب أو ينبغي دائماً أن يمتثل الواحد منا للظرف الذي يحيا فيه ويُخضِع نفسه وتصرفاته وأقواله لمتطلبات وتأثيرات الظرف؟
بموجب هذا الخضوع يكون المرء قد تنازل عن أحد أهم شروط إنسانيته وهو شرط تحدي الصعاب والحفاظ على القيمة الإنسانية وعدم التنازل عنها حتى في أسوأ الظروف.
آمل أن يحق لي هنا التحدث عن تجربة شخصية كنت قد تحدثت عنها في كتاب (واقف في الظلام). ففي تحقيق أمني واجهني المحقق بمعلومات مضبوطة ودقيقة عن صديق، وبما جعلني بموضع الشك والتساؤل عما إذا كان الصديق مخبراً أمنياً وسرّب لهم المعلومات. كان لاعترافي بصحة المعلومات، وهي صحيحة، لا يضرني كثيراً وفق مجريات التحقيق، بل نكرانها هو ما يضر بي ويعقّد وضعي، لكنها يمكن أن تضر بذلك الصديق في حال أنه ليس مخبراً.
كنت أمام خيارين إما أن أظلم نفسي أو أظلم الصديق.. احتجت لليلتين من القلق وتقليب الأمور في زنزانة انفرادية حتى استقريت، بضمير مطمئن، على موقف لا سواه: ظلم النفس أهون من ظلم إنسان آخر يجب عدم جرجرته معي في محنة لا صلة له بها.
لقد حصل هذا في ظرف لا إنساني؛ الإنسانية يجري اختبارها بوضوح في مثل ذلك الظرف. لا ينبغي ثلم إنسانيتنا بدواعي لا إنسانية الظروف.
لكن ما يحصل كثيراً في فيسبوك العراقي هو شكل من الإصرار المسبق على سحق أية قيمة إنسانية والاستسلام من دون أي رادع لنزعات الشر.
لا صلة لنزعة الشر والخير وتحفّزها لدى أصحابها بظرف يكون المرء أو المجتمع فيه. هذه طباع تقرّرها التربية الأسرية والاجتماعية وينمّيها مدى وأسلوب تثقيف الإنسان لنفسه.
الظرف السيئ يدفع بالرجل النبيل إلى إظهار أقصى قدر من الإنسانية والنبل، لا يدفن هذا الظرف السيئ نبل هذا الرجل. 
وبمستوى آخر موازٍ فإن سوء الظرف هو البيئة المناسبة لتفجُّر نزعة الشر والكيد لتشتغل بأتعس إمكاناتها ليعبر هذا عن أتعس ما أودعته التربية والمجتمع والثقافة فيه من وسخ للضمير.
تعجب أن يهيمن على فيسبوك ذلك الكم الهائل من الكراهية.
ولن يسكت عجبك إلا البحث في طبيعة الكارهين الشخصية؛ في تربيتهم الأسرية وفي منشأهم الاجتماعي، ثم في الطريقة التي ثقفوا بها أنفسهم، إن كانوا فعلاً قد ثقفوا أنفسهم.