لجنة على المقاسات

 

عقد ونيف مر والبلاد في تراجع، بل وصلت الى مفترقات طرق حاسمة، يهدد بعضها بتقسيم الوطن وشرذمة المجتمع وهدر الثروة، حتى يشعرك ما يجري بالعجز عن فتح نافذة وان كانت صغيرة لافق رحب يشيع بعض الأمل وسط يأس بلغ مداه، لا أحد يعرف ملمحا لما سيكون عليه الغد، بينما العالم يتحدث عن مجتمع الرفاهية، أين يكمن الخلل ؟ هذا هو السؤال الذي ينفتح على أجوبة شتى لاحدود لها، من بينها تلك التي تشير الى خلو الساحة من قادة حقيقيين يؤمنون ان القيادة مسؤولية أخلاقية وتاريخية، لشعب جسد على مدى التاريخ بطولات استثنائية في مواجهة خطوب مدلهمة، منها ما كان أقسى مما يتعرض له اليوم.

 

لو كان الشعور بالمسؤولية من اخلاقيات الذين وصولوا لقبة البرلمان او لدوائر صنع القرار المختلفة، لتنحو جانبا وهم يشاهدون بأم أعينهم كيف ان البلاد تتهاوى، او لوقفوا وقفة وطنية لمراجعة المسيرة بصرف النظر عن خسائرهم الشخصية والحزبية وتلك التي تعود للغرباء، لان ما يحدث لم يعد لعبة سياسية كما في الديمقراطيات الراسخة، بل لعبة شيطانية ندفع بسببها أنهارا من دماء شبابنا وخراب بيوتنا والتفريط بوطننا .

 

القادة الحقيقيون هم الذين يضحون بأنفسهم من اجل أوطانهم وشعوبهم، وليس الذين يتنعمون بمباهج الحياة بينما العبرات متكسرة في صدور الامهات، هم الذين يبحرون بالأوطان الى مستقبل مشرق بأقل الخسائر الممكنة، وليس الذين يسلّمونها للأقدار ترسو بها الى حيث المجهول ، وعلى هذا فهم ليسوا الاكثر وعيا، ولا الأعمق وطنية، ولا الأكفأ أداء، ومثلهم لايليق بشعب عصي على التجاوز .

 

ليس جديدا في قولي انهم نتاج ديمقراطية زائفة، فالديمقراطيات التي تفشل في ايصال الاكفاء الى دوائر صنع القرار، وعلى مدى اكثر من دورة انتخابية، يعني ان خللا بنيويا يعتري آلياتها بدءا من قانونها وانتهاء بالمشمولين بها ترشيحا وانتخابا، وهشاشتها ازاء التدخلات السياسية ممن وصفناهم بـ (الفاشلين) الذين يصممون اللعبة على مقاساتهم ورغباتهم، كما هو الحال في لجنة الخبراء التي شكلها مجلس النواب مؤخرا لاختيار أعضاء مجلس مفوضية الانتخابات، تصوروا، القوى السياسية التي تهيمن على المشهد السياسي هي من يختار أعضاء مجلس المفوضية، ولايهام الناس بالديمقراطية فتحوا باب الترشيح لمن يشاء من العراقيين، وستكون تصفية المرشحين بيد اللجنة التي يرأسها عامر الخزاعي من دولة القانون ونائبه صلاح الجبوري من اتحاد القوى وعضوية قوى اخرى، طبعا من المستحيل ان تكون اللجنة موضوعية وغير متحيزة في الاختيارات، لأنها تمثل تيارات سياسية مرشحة للانتخابات المقبلة وتريد ضمان الفوز بها، وذلك لن يتحقق مالم تطمئن تلك القوى على أعضاء مجلس المفوضية.

 

من المفارقات ان يخوض الشعب صراعا مع هذه القوى التي تدعي تمثيله، وصار يطالب بصريح العبارة بمجلس مفوضية يتمتع بالنزاهة والحيادية ومن غير المنتمين سوى للوطن، فضلا عن المبدئية والشجاعة التي تتيح له التصدي لأي تدخل في الانتخابات، وأظن ان هذه الاشتراطات لن تتوفر الا برجال القضاء . وبعكسه لن تفرز الانتخابات الا الوجوه الكالحة ذاتها من أمثال ……. و ……..

 

ومع اني اكره الكلام فيما افرزته العملية السياسية من مظاهر كارثية على أهميتها، لاني اجد ان الكلام يجب ان ينصب على بنية هذه العملية، فالخلل فيها، وما هذه الكوارث الا نتائج طبيعية لذلك الخلل الذي لم نتوقف عنده حتى اللحظة.

 

 ان استمرار الحال على هذا المنوال، لن نحصد منه الا المزيد من الخراب، فهل يأمل الحالمون بالوصول الى قمة الهرم في البلاد منه غير ذلك؟ اذا كانوا كذلك، فهم واهمون، او لهم من الأهداف غير بناء العراق والحفاظ على شعبه، وهذه هي الخيانة العظمى التي تتساوى بالمقدار مع خيانة الذين صفقوا للاحتلال واستقبلوه بالورود.