سالفة ابطن سالفة

قبل‭ ‬عدة‭ ‬ايام‭ ‬رأيتُ‭ ‬صديقاً‭ ‬،‭ ‬لم‭ ‬اره‭ ‬منذ‭ ‬ايام‭ ‬الدراسة‭ ‬هو‭ ‬خريج‭ ‬علوم‭ ‬حياة‭ ‬،‭ ‬رأيتهُ‭  ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬ميزان‭ ‬قرب‭ ‬المحكمة‭ ‬وهو‭ ‬ينادي‭ ‬بأعلى‭ ‬صوته‭ ‬‮«‬‭ ‬وزِّن‭ ‬نفسك‭ ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬،‭ ‬وزِّن‭ ‬نفسك‭ ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬‮«‬‭ ‬و‭ ‬سبحان‭ ‬الرازق‭ ‬الكريم‭ ‬فالله‭ ‬يهيئ‭ ‬الاسباب‭ ‬لذلك‭ ‬دائما‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يستجيب‭ ‬لصوته‭ ‬ويقف‭ ‬عنده‭ ‬ليزن‭ ‬نفسه‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬احايين‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬عن‭ ‬صديقي‭ ‬فكه‭ ‬‮«‬‭ ‬خردة‭ ‬‮«‬‭ ‬فيتركوا‭ ‬له‭  ‬الباقي‭ ‬رحمة‭ ‬منهم‭ ‬ورأفة‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬فرحُ‭ ‬بحياته‭ ‬،‭ ‬اكيد‭ ‬العمل‭ ‬ليس‭ ‬عيبا‭ ‬فاليد‭ ‬البطالة‭ ‬نجسة‭  ‬،‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬لصديقي‭ ‬من‭ ‬علوم‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬درسها‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الثمانينيات‭ ‬الا‭ ‬علم‭ ‬الأوزان‭ ‬فهو‭ ‬مرتبط‭ ‬بصحة‭ ‬الانسان‭ ‬،‭ ‬وقفت‭ ‬الى‭ ‬جنب‭ ‬صديقي‭ ‬ورحنا‭ ‬نستذكر‭ ‬معا‭ ‬احلام‭ ‬الشباب‭ ‬كم‭ ‬تنمينا‭ ‬وكم‭ ‬دفنا‭ ‬وكم‭ ‬وئدنا‭ ‬من‭ ‬احلامنا‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬منها‭ ‬شيء‭ ‬،‭ ‬ربما‭ ‬لأننا‭ ‬نسير‭ ‬عكس‭ ‬التيار‭ ‬وغيرنا‭ ‬يسير‭ ‬معه‭ ‬،‭ ‬يميل‭ ‬حيث‭ ‬ما‭ ‬مالت‭ ‬الريح‭ .‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬ميزان‭ ‬صديقي‭ ‬كانت‭ ‬العوائل‭ ‬تصطف‭ ‬عند‭ ‬عتبة‭ ‬محل‭ ‬مأذون‭ ‬شرعي‭ ‬هو‭ ‬صديقي‭ ‬ايضاً‭ ‬واسمه‭ ‬سيد‭ ‬السيد‭ ‬احمد‭ ‬،‭ ‬اعرفه‭ ‬ايام‭ ‬الدراسة‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تركنا‭ ‬في‭ ‬المتوسطة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬رسب‭ ‬سنتين‭ ‬متتاليتين‭ ‬والتحق‭ ‬لاداء‭ ‬خدمة‭ ‬العلم‭ ‬،‭ ‬ورث‭ ‬السيد‭ ‬احمد‭ ‬عمامة‭ ‬ابيه‭ ‬ومكتبه‭ ‬الشرعي‭ ‬وورث‭ ‬معها‭ ‬كلمات‭ ‬حفظها‭ ‬عن‭ ‬ظاهر‭ ‬قلب‭ ‬‮«‬‭ ‬زوجت‭ ‬موكلتي‭ ‬لموكلي‭ ‬على‭ ‬صداق‭ ‬معلوم‭ ‬وقدره‭ ‬‮«‬‭ ‬كما‭ ‬حفظ‭ ‬عبارة‭ ‬ادمن‭ ‬ترديدها‭ ‬هذه‭ ‬الايام‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬‭ ‬طلقت‭ ‬موكلتي‭ ‬من‭ ‬موكلي‭ … ‬أنت‭ ‬طالق‭ ‬‮«‬وقائع‭ ‬الطلاق‭ ‬التي‭ ‬رأيتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬بلدٍ‭ ‬يسير‭ ‬نحو‭ ‬الهاوية‭ ‬فالمعيشة‭ ‬ضنكا‭ ‬والناس‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬نفسية‭ ‬وازدواجية‭ ‬في‭ ‬شخصيتها‭ ‬،‭ ‬فلقد‭ ‬صارت‭ ‬الاماكن‭ ‬تتطلب‭ ‬ان‭ ‬نلبس‭ ‬لها‭ ‬جلباباً‭ ‬مختلفاً‭ ‬وان‭ ‬نتلون‭ ‬بلون‭ ‬المحيط‭ ‬،‭ ‬مثل‭ ‬الحرباء‭ ‬تماماً‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬نفكر‭ ‬به‭ ‬السر‭ ‬لا‭ ‬نتحدث‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬العلن‭ ‬،‭ ‬قيل‭ ‬قديماً‭ ‬لكل‭ ‬مقام‭ ‬مقال‭ ‬ولكل‭ ‬وقت‭ ‬آذان‭ ‬،‭ ‬سمعتُ‭ ‬احدهم‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬طلاقه‭ ‬‮«‬‭ ‬هي‭ ‬التكنلوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬زوجتي‭ ‬تراني‭ ‬الشيطان‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬عالمٍ‭ ‬كله‭ ‬ملائكة‭ ‬‮«‬‭  ‬والاخر‭ ‬قال‭ : ‬‮«‬‭ ‬هي‭ ‬المعيشة‭ ‬التي‭ ‬جعلتني‭ ‬مجرد‭ ‬اله‭  ‬تعمل‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬حتى‭ ‬آكل‭ ‬الدهر‭ ‬كل‭ ‬اعضائي‭ ‬واحاسيسي‭  ‬واتمنى‭ ‬ان‭ ‬افر‭ ‬هارباً‭ ‬وان‭ ‬اخلع‭ ‬ما‭ ‬علي‭ ‬من‭ ‬احمال‭ ‬كنت‭ ‬انوء‭ ‬بحملها‭ ‬‮«‬‭  ‬اما‭ ‬الاخر‭ ‬فكان‭ ‬صادقاً‭ ‬معي‭ ‬قالها‭ ‬بالحرف‭ ‬الواحد‭ : ‬‮«‬‭ ‬الأنترنيت‭ ‬قرّب‭ ‬البعيد‭ ‬وبعَّد‭ ‬القريب‭ ‬،‭ ‬فزوجتي‭ ‬لم‭ ‬اعد‭ ‬اراها‭ ‬،‭ ‬وعلى‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬صرت‭ ‬اعيش‭ ‬مع‭ ‬حبيبتي‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬شغلي‭ ‬الشاغل‭ ‬وهمي‭ ‬الأكبر‭ ‬انقل‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬جديد‭ ‬بحياتي‭ ‬حتى‭ ‬امتلأت‭ ‬حياتي‭ ‬وذاكرة‭ ‬موبايلي‭ ‬بصورها‭ ‬وصوري‮»‬،‭ ‬طال‭ ‬بيَّ‭ ‬المقام‭ ‬وطاب‭ ‬لي‭ ‬الجلوس‭ ‬عند‭ ‬صديقي‭ ‬وهو‭ ‬ينادي‭ ‬‮«‬‭  ‬وزِّن‭ ‬نفسك‭ ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬،‭ ‬وزِّن‭ ‬نفسك‭ ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬‮«‬‭ ‬ورحت‭ ‬استكشف‭ ‬عالم‭ ‬صديقي‭ ‬القديم‭ ‬السيد‭ ‬احمد‭ ‬وعماته‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬عمامة‭ ‬ابيه‭ ‬ايام‭ ‬زمان‭ ‬و‭ ‬ربما‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬،‭ ‬لست‭ ‬مبالغاً‭ ‬لو‭ ‬قلتُ‭ ‬انه‭ ‬تردد‭ ‬عند‭ ‬السيد‭ ‬احمد‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬ازواج‭ ‬خرجوا‭ ‬جميعاً‭ ‬من‭ ‬عنده‭ ‬وهم‭ ‬غرباء‭ ‬ليس‭ ‬لاصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين‭ ‬اي‭ ‬حل‭ ‬بينهما‭ ‬،‭ ‬تغربوا‭ ‬وتفرقوا‭ ‬بكلمة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬فم‭ ‬السيد‭ ‬احمد‭ ‬،‭ ‬أنتِ‭ ‬طالق‭ ‬،‭ ‬وبعد‭ ‬واقعة‭ ‬طلاق‭ ‬يضع‭ ‬السيد‭ ‬مئتان‭ ‬الف‭ ‬دينار‭ ‬بالتمام‭ ‬والكمال‭ ‬في‭ ‬جيب‭ ‬دشداشته‭ ‬الايمن‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬باسرع‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬الة‭ ‬حسابية‭ ‬حسبتها‭ ‬مليونا‭ ‬دينار‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬عشر‭ ‬حالات‭ ‬طلاق‭ ‬اما‭ ‬الزواج‭ ‬فالله‭ ‬اعلم‭ ‬،‭ ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬صديقي‭ _ ‬ابو‭ ‬الميزان‭ _ ‬ان‭ ‬الطلاق‭ ‬صباحي‭ ‬والزواجي‭ ‬مسائي‭ ‬،‭ ‬مليونين‭ ‬دينار‭ ‬هي‭ ‬دخل‭ ‬السيد‭ ‬احمد‭ ‬ووارده‭ ‬اليومي‭ ‬،‭ ‬اللهم‭ ‬لا‭ ‬تجعلني‭ ‬من‭ ‬الحاسدين‭ ‬،‭ ‬دخله‭ ‬يفوق‭ ‬دخل‭ ‬اكبر‭ ‬برلماني‭ ‬بالبلد‭ ‬ولا‭ ‬يضاهيه‭ ‬طبيب‭ ‬افنى‭ ‬عمره‭ ‬بالدراسة‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬مهندس‭ ‬يضع‭ ‬فوق‭ ‬رأسه‭ ‬قبعة‭ ‬تقيه‭ ‬حر‭ ‬الشمس‭ ‬صيفا‭ ‬والبرد‭ ‬شتاءاً‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬صديقي‭ ‬،‭ ‬ابو‭ ‬الميزان‭- ‬‮«‬‭ ‬افنيت‭ ‬عمري‭ ‬بطلب‭ ‬العلم‭ ‬لم‭ ‬اك‭ ‬اعلم‭ ‬بأن‭ ‬العلم‭ ‬لا‭ ‬يُكيَّل‭ ‬بالباتنجان‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬عادل‭ ‬امام‭ ‬‮«‬‭ ‬الشمس‭ ‬توسطت‭ ‬السماء‭ ‬وارتفعت‭ ‬حرارة‭ ‬الجو‭ ‬حمل‭ ‬صديقي‭ ‬ميزانه‭ ‬وراح‭ ‬يعد‭ ‬دخله‭ ‬اليومي‭ ‬‮«‬‭  ‬خمسة‭ ‬الاف‭ ‬دينار‭ ‬بالتمام‭ ‬والكمال‭ ‬‮«‬‭ ‬بينما‭ ‬بقي‭ ‬سيد‭ ‬احمد‭ ‬في‭ ‬محله‭ ‬يداعب‭ ‬وجهه‭ ‬هواء‭ ‬دافئ‭ ‬يأتيه‭ ‬من‭ ‬‮«‬سبلت‮»‬‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬فتحته‭ ‬الباردة‭  ‬بقرب‭ ‬صديقي‭ ‬ابو‭ ‬الميزان‭ .‬