الرسام البدوي وكابوس " هنري كيسنجر "



لعل كيسنجر قد داخله ذلك الكابوس عندما وطأت أقدام الرسام البدوي " محمد بن سلمان " جادات واشنطن , والمحتمل أن الكابوس توغل في الضراوة عند لقائه بـ دونالد ترامب والخوض العميق في المُحتوى السياسي لكوكب الأرض برمته وليس المحور الشرق أوسطي .. كابوس كيسنجر له ما يُبرره , أو هو ذاته يُبرره , فلقد أدرك انه لم يعد خبير السياسة والعلاقات الدولية الذي يُركن إليه أو الذي يقصده المصابين بدوار الرُؤى السياسية . فها هو الرسام البدوي يُطيح به من عرشه الذي تبوأه لعشرات السنين !

لست أنا الذي يدعي ذلك , إنما صُحف آل سعود هي التي تصف مغوار الرسامين ذاك , لنقرأ التايتلين التاليين :

* ريشة محمد بن سلمان تعيد رسم العلاقات الأميركية - السعودية

* وصف فهيم الحامد في صحيفة "عكاظ" السعودية " الزيارة بأنها "أول عصف ذهني استراتيجي بين الحكومة السعودية وإدارة ترامب لبحث مستقبل الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الرياض وواشنطن" .

ويا له من عصف ذهني , لكن على خلفية هذا العصف الذهني ينبثق التساؤل : أصلا متى تقوضت أوخُدشت عن بُعد تلك العلاقات ؟ الواقع أنها لم تُخدش ولو لفقاعة , لكن أفخاذ شيوخ آل سعود من الشفافية والطراوة - التي تضاهي طراوة أفخاذ عارضات أزياء " ميلان , وباريس " - من الشفافية والطراوة لحد التذمر من أية نسمة عابرة لا تليق بمزاجها الأعرابي ! فلقد أصابتهم هلوسة طاعونية على خلفية الإتفاق النووي الغربي - الإيراني أو بالأحرى إنه ليس غربيا محض , فهناك روسيا والصين , وتلك كيانات عُظمى لها تاريخ طويل ومُترع في كيفية التعامل مع الأزمات السياسية والتشنجات , فهل تريد الأفخاذ الطرية أن تفرض أجندتها على تلك الكيانات , أم كيف يعني , دعونا نفهم بحق - مزوياتكم , عباءاتكم - .. ويُعاد القول : لم تُخدش , العلاقات الأميركية السعودية لم تُوخز , أرسلتم جيوشكم لليمن بدون إذن أممي وقصفتم الشوارع والأسواق والمدارس ودور العبادة وليغدو البلد في الصف الأمامي مجاعة على قائمة المنظومة الدولية , ولم تعترض , أميركا لم تعترض وأمنت لكم السواحل اليمنية من أية عملية تسلل للقطع البحرية الإيرانية التي تحمل أسلحة للحوثيين . حدث هذا قبل الإتفاق النووي مع إيران وتواصل إلى ما بعد الإتفاق وحتى يوم خروج أوباما من القصر الأبيض , ولم تصدر في تلك الفترة أية ملاحظة ولو ضئيلة من الإدارة الأميركية أو أعضاء الكونغرس تشير إلى أية إشكالية في العلاقات التي يمذر بها شيوخ آل سعود وإعلامهم اليوم , فأي عصف ذهني للرسام البدوي , وأية ريشة حاكها من خيوط السوتلي لعقاله المتربع فوق هامته لخلق إستراتيجية الوهم الأعرابي ؟ .. لكن يحدوك الأمل أن يكون كذلك , عصف ذهني يُعالج عجز الميزانية السعودية المستمر منذ ثلاث سنوات , أو يحد من الفقر المستشري رغم .. ماذا ؟ وكيف يحدث هذا وهُم .. ماذا , ماذا هُم ؟

مصيبة شيوخ آل سعود الكُبرى إنهم يتدللون , يتغنجون .. لا يليق , وأيم الله الغنج لا يليق بكم حتى لو .. ولا ندري إن كانوا على دراية إن العالم بجميع مخلوقاته بما فيها ديدان الأرض وصراصرها لا تحترمهم أو يحترمهم . الأكيد انهم على يقين ان الزفت الأسود هو المحور في جميع تلك المخاضات الزرنيخية التي يضخون بها على رؤوس الكائنات . بيد أن القطع الذي سوف يقصم العمود الفقري ويُسمم النخاع الشوكي هو : ماذا لو نفذ هذا الزفت الأسود ؟ وسينفذ , وفي المستقبل المنظور وليس البعيد وُفق كل دراسات الخبراء في هذا المجال . كيف سيكون الفعل يا ترى حين ذاك ؟ دول ريعية لا تمتلك أية طاقات وتتكئ على ريع النفط وسوف تندثر بإضمحلاله أو تيبسه , فهنيئا لكم الإختناق تحت رمال الربع الخالي المتموجة الهائجة أبدا .

أيضا في هذا الأفق , ثمة مُفترق يدمغ آل سعود وإعلامهم , كذلك قد يشفع لـ " هنري كيسنجر " ويعتقه من الكابوس الذي داهمه في ليل مُوغل الحُلكة , وهو أن الأبله عندما يطيح على مثيله , فلا يتمخض عنهما سوى رُكام من البُله : شيخ ملياردير لا يفقه فتاتة في عالم السياسة والعلاقات الدولية , يطيح على ملياردير عقارات أعضاء حزبه الجمهوري دون إستثناء يقرون بجهله المطلق في هكذا مجال , بل هو ذاته - ترامب - أقر ويُقر بذلك . ومن هنا دع صُحف شيوخ الكعبة تطش لهاث زفيرها على قطيع الهجن الهائم في هبوب الصحراء .