مواقف نقيض المصالح الوطنية |
ثمة اختلافات مشروعة ، في البرامج والسياسات ، والتصورات واولوية العلاقات ، لكن بمجموع هذه الاختلافات يجب أن تتمحور في إطار الخدمة الوطنية للبلاد والدولة والمجتمع ، وإذا غاب مثل هذا التصور ، تصبح تلك الاختلافات مسيرة لاجندة ذاتية تخدم مصالح وتوجهات وسياسات دول لاتريد للعراق الاستقرار ولا للمجتمع التاخي ولا للأزمات الداخلية الاقتصادية والبنيوية أن تحلّ .
هذا الوضع كما يبدو بات يحكم العلاقات بين الكتل والاحزاب والشخصيات الحاكمة للسلطة العراقية ، فكلما نتصور بان هناك انفراجاً للازمة القائمة ، وان هناك ميلاناً للمصالح الوطنية على حساب المصالح الشخصانية والكتلوية والجهوية والحزبية ، نقع في خطأ هذا التصور وذلك الميلان ، فيبدو إن هذه الكيانات قد طبعت مسلكها السياسي وعلائقها بين بعضها البعض على المصالح والمواقف المتبادلة ، أما المصلحة الوطنية العليا تبقى في مؤخرة التفكير أو هي تحصيل حاصل للغة الخطابة الديماغوجية القشمرية للناس ولعناصر واتباع تلك القوى والاطراف .
نقول ذلك ليس شماتة بأحد ، وإنما نتيجة طبيعية لمايجري . فنعتقد ليس هناك أزمة عاشها البلد في تاريخه المعاصر ، مثل الاجتياح الارهابي الالغائي الذي جرى ، فهذا الذي وقع في البلاد مصيبة بعينها ، فهو ارهاب لايستثني احدا ، ولايترك جماعة أو ملّة أو قومية أو مذهب دون أن يلغيها من على الوجود ، اللهم إلا اولئك الذين يماثلونه في الفكرة وينطلقون معه من نفس الجنس والعقائد الالغائية ، وهؤلاء موجود في بعض الانظمة الحاقدة وداخل الاجهزة المخابراتية التي تزود وتحرك وتوجه تلك الجماعات .
هذا الاجتياح المدمر بات يتراجع بل وينتهي من مدن العراق الرئيسية كالموصل وتكريت والرمادي وديالى وبعض المساحات الاخرى من ارض الوطن ، نعم بات يلفظ انفاسه الاخيرة ، بفعل تضحيات وبسالة وشجاعة القوات المسلحة والشرطة الاتحادية وقوات مكافحة الارهاب والحشد الشعبي والقوى الوطنية العشائرية والمدنية الاخرى . ونحن الان على ابواب الاحتفال الوطني العظيم بتحرير مدينة وقصبات الموصل .
ففي ظل هذه الاوضاع الماساوية ، وتلك الانجازات العسكرية الوطنية ، والتضحيات الجسام ، بشرية ، واقتصادية ، واجتماعية ، وبنيوية ، تبقى الكيانات والاحزاب والجهويات والشخصيات المشتركة بالسلطة بعيدة عن هذا الوضع ، بل إنها تتنافس بالامشروعية الاداء والتوجه على المزيد من اضعاف الدولة ، وعلى المزيد من تفكيك هيكليتها ، وعلى المزيد من شرعنة النهب الحرام لاموال الشعب ، وتفكيك العلاقات بين فصائله المجتمعية الوطنية .
فنلاحظ في هذه الايام تصعيدا للعنصرية القومية بغية انفصال الشمال عن الجنوب ، ونلمس تصعيدا بين مكونات المذاهب المتأخية طيلة التاريخ العراقي الطويل ، بغية تفكيكها وخلق الصراعات بينها لتحقيق اهداف سياسية وانتخابية دنيئة خسيسة رخيصة ، ونلاحظ ايظاً عقد اجتماعات خارج الوطن بغية تطويق الانتصار على داعش والمطالبة باقليم في الموصل يكون بالضرورة بديلا للانكسارات التي اصابت البنية العسكرية للدولة الاسلامية داعش ، ونرى زيارات لبعض الدول المحيطة بالعراق لعقد صفقات التأييد لمشاريع الصراعات القادمة مع اخوة الامس ، ولمس توجها خارجيا من بعض الدول الاقليمية والعالمية التي لاتمتلك ادنى قيم الاخلاق الانساني والاسلامي والعروبي بدعم توجهات التفكك الجغرافي والمجتمعي للعراق .
كل ذلك يحدث في الخفاء والعلن ، ولم نر بالمقابل توجهات نشطة أو خجولة للملمة الاختلافات وكسر حدة التناقضات من اجل المصلحة الوطنية العليا ، نعم لم نر ذلك وهذا بالتأكيد يوضح بان أزمة الوطن والمواطن والانسان العراقي في واد ، ومصالح واهداف وسياسات هذه القوى في في واد اخر ، وكل مايقال بان هذا الطرف طرح لرئيس الوزراء أو للناس تصوراته لمرحلة مابعد داعش بما فيها كيفية تعزيز اللحمة بين المواطنين وتعزيز هيكلية الدولة ماهو سوى هرطقة مقاهي لاتباع تلك الكيانات والاحزاب .
البلاد تعيش في ازمة وطنية حقيقية ، فإذا لم تتم وضع المشاريع لمعالجتها ، مشاريع بعيدا عن الذاتية الكتلوية والمذهبية والقومية العنصرية ، فإن الازمات تتفاقم وقد تؤدي لاسمح الله الى صدامات بين مختلف الاطراف ، لكون الانانية الذاتية تطغى على المصالح الوطنية . نحن بحاجة الى حلول فعلية موضوعية ، بعيدا عن الشعارات والخطابات الشخصانية ، فهل يتحقق للعراق ذلك ، أم إن الازمات تتفاقم . ومساحات تدخل الدول تكون اكبر ، وتضحيات الشباب تذهب سدى ، والنهابون لاموال واراضي الدولة هم الفاعلون في الساحة . |