شكر وتخدير |
قد يبدو العنوان غريبا بعض الشيء، وقد يتبادر للقارئ الكريم للوهلة الاولى أني وقعت بخطأ طباعي، لكنه سيتفق معي حتما قبل أن يكمل قراءة المقال، وسيكتشف بانه العنوان الامثل والادق وينسجم مع المضمون، وان عبارات التخدير قد ملأت آذان الكثير من العراقيين، ولعل المبدعين (مرتضى وهشام) شاهدان على ما أقول، هذان الرجلان اللذان حاولا ويحاولان مواجهة تيار الخراب، وأرساء أساس حقيقي لمشروعين كبيرين ورصينين، المشروعان يمثلان انعطافة كبيرة وحقيقية تضفي للبصرة بل وللعراق جمالا ورونقا، المشروع الاول للسيد مرتضى، الرجل الذي امضى 25 عاما وهو يجمع القطع التراثية النفيسة وخصص بيتا بلمسات تراثية لعرضها، حلمه الكبير أن يقيم قرية تراثية متكاملة، لتكون رئة يتنفس منها البصريون والوافدون عبق الماضي الجميل، منذ أعوام وهو يناشد المسؤولين تخصيص قطعة ارض يستأجرها لهذا الغرض، وكل ما سمعه منهم عبارات الشكر والتخدير، وعود كثيرة وكبيرة، لم يتحقق منها شيء، والامر المؤلم ان الحاجة دفعته مؤخرا لبيع بستانه الذي يحوى المتحف وبذلك اصبح مشروعه مهددا. أما المبدع الاخر فهو السيد هشام، الباحث المولع بالتاريخ الطبيعي، هذا الرجل يحتفظ بأكثر من 1600 قطعة محنطة لمختلف الاحياء (برية، نهرية، بحرية، صحراوية، أضافة لبيئة الاهوار)، ولوحات كثيرة لعدد كبير جدا من الحشرات، أقام عددا كبيرا من المعارض لتعريف الزائرين بتلك الأحياء التي تقطن البيئة العراقية والانواع المهاجرة، فهو اليوم موسوعة كبيرة ومتنوعة يستعين بها الباحثون وطلبة الدراسات العليا، تغنيهم عن مؤلفات كثيرة. للسيد هشام طموح كبير وواقعي، طموح وطني، يتلخص بأنشاء متحف متكامل للتاريخ الطبيعي وحفظ النوع، وطباعة موسوعة كبيرة ورصينة للحياة البرية العراقية مدعمة بالصور، ناشد ويناشد المسؤولين، واضعا نصب عينه خدمة المجتمع، ومثل صاحبنا مرتضى لم يسمع غير عبارات الشكر والتخدير. أتساءل بحيرة، الا يعد المسؤولون ذلك مثلبة بحقهم؟ بعضهم يتحججون بالأزمة الاقتصادية على انها عطلت الكثير من المشاريع، ويقولون ان مشاريع من هذا النوع على الرغم من اهميتها يمكن تأجيلها، وبعيداً عن الخلط في الكلام لا بد من توضيح امرين، أولهما :ان المشروعين طرحا لمرات خلال سنوات الميزانية الانفجارية وهذا موثق بوسائل الاعلام المرئية والمكتوبة، والامر الاخر: أن مشروع السيد مرتضى (إقامة قرية تراثية) كل ما يحتاجه تخصيص قطعة ارض ليستأجرها من الدولة، بعد هذا هل يعد للتساؤلات سبب؟ وللحيرة من معنى؟ ان الحكومة ستضرب عصفورين بحجر واحد، ستحقق ايراد،اً أضافة لمساهمتها في تحقيق هذا الهدف الكبير الذي تفتقر له البصرة والذي سيزيد من رصيدها في الشارع ، أما بالنسبة للسيد هشام فلا اعتقد ان الحكومة عاجزة عن تخصيص مكان او توفير مبلغ زهيد لطباعة الموسوعة، في تقديري ان القضية لا تحتاج لإمكانات بقدر حاجتها لمسؤولين يؤمنون بأن الاحتياجات الثقافية والمعرفية للمجتمع لا تقل أهمية عن حاجته للخبز، لدعم من يمنحنا ميزة التواصل مع العلم والتراث، ما يشوّقنا إليها فقداننا لمشاريع من هذا النوع وبهذا الحجم، عندما يعي المسؤول هذه الحقيقة سيكون موقفه تجاه هذين المبدعين موقف الداعم الحقيقي والملتزم بوعده، ولن يطلق العبارات الباهتة مثل التي جادت لنا به قرائحهم، عبارات (الشكر والتخدير) . |