الماضي...والحاضر...وشهادة حسن السلوك

 

نسمع من الكثيرين هذه الايام ومنهم ما يدعون انفسهم محللين سياسيين انهم يأسفون على ماض ولى، ويتمنون له العودة بل ان البعض ينافح لعودته، ويذكرون فضائله ويتجنبون، بالطبع، ذكر المساويء... وانهم يستندون في هذه النظرة (الارتدادية) الى بؤس الحاضر ومآسيه، ويقارنون بين حالة الامن والفوضى في هذه الايام مع مثيلتها في ايام مضت، وبين ما تعج به الدولة من عوامل الفساد وما كانت عليه قبل حين، وكيف صار العراقي أما شريداً أو حبيس داره دون ثقة في البقاء حيا وبين حياة ماضيه كان يعيش فيها... بل البعض يعترفـ ويفتخر، بان الاعدامات والسجون في العهود السابقة وضحايا الحروب قد بلغت عشرات أو مئات الالوف لكننا اليوم تفقد العشرات يوميا واحيانا المئات بين شهيد أو جريح، أو مختطف، أو معتقل أو مهاجر أو مهجر... ولعمري ان هذه حقائق لا يجادل فيها احد.... فالامن في مناطق شتى مفقود، والدم يراق، والخوف لصيق الانسان، وهناك في بعض المؤسسات الفساد صار القاعدة، والنزاهة هي الاستثناء، والبلوى عمت ..، اما امانينا بالتطور والتقدم فهي اليوم مفقودة كما كانت عليه في شتى العهود. ولكن: ان الخطأ بل الخطيئة التي تجري المقارنة على اساسها لا تقوم على منطق سليم... فكون بعض الراهن سيء لا يعطي للماضي شهادة حسن السلوك... وموت الناس بالجملة في هذه الايام لا يجعل موتهم فرادى مبرراً في تلكم الايام... وفساد الاحزاب أو بعضها وبعض مؤسسات الدولة لا يعني ان فساد الحزب الواحد وتلك المؤسسه صار مقبولاً... وفقدان بعض الديمقراطية اليوم لا يعني مباركة الاستبداد في الماضي... وخطف المواطن من قبل ميليشيا هذا الحزب أو ذاك لا يعني تمجيد خطفه من قبل الاجهزة الامنية السابقة... ان الانسان هو الانسان، هو القيمة العليا في هذا الكون، وهو الانبل والاكرم والاجمل بين مخلوقات الله تعالى...... وان اعتبار الفرد الواحد محض نفاية يجعل الوف البشر كومة من النفايات.... وان بعضا من بؤس الحاضر لا يعني غنى الماضي... ولذلك فان المقارنة الصحيحة حسب رأي الفقير لله، كاتب هذه السطور ينبغي ان تجري بين ما هو كائن وما ينبغي ان يكون وليس بينه وبين ما كان..... دعونا اذن نحكم على الحاضر بآمال المستقبل وطموحاته... دعونا نحدد على وجه الدقة ماذا نريد في السياسة، وفي الاقتصاد، وفي الثقافة، وفي كل ميدان من ميادين الحياة... دعونا نتفق كيف نحقق ما نريد.. دعونا نأخذ العبر..والدروس من الماضي... وكفى بنا داء ان يظل الماضي، مهما كان شكله سيفا مسلطاً على الرقاب، او آفة تمتص منا نسغ المستقبل، نسغ الحياة....ولله في خلقه شؤون...وكان الله تعالى في عون العراقيين.