مؤشرات السياسة والقدرة والنفوذ، تدفع الى التوقع بأن داعش الجيل الثاني للإرهاب بعد القاعدة جيله الأول، ستنتهي في العراق ومن ثم في سوريا، لكن نهايتها المتوقعة غير البعيدة تضعنا نحن العراقيين أمام سؤال حتمي ألا وهو: هل بنهاية داعش سنبدأ مرحلة انفراج أمني واستقرار يؤهلنا للشروع في البناء الجدي الصحيح، أم أن النهاية ستكون بطريقة أو بمعطيات قادرة على تأسيس جيل جديد من الارهاب بتسميات أخرى وايديولوجيات أخرى ترتبط أيضا بالتطرف الفكري الاسلامي؟. إن الاجابة عن هذا السؤال منطقياً تحتم النظرة الى بعض المتغيرات ذات الصلة بالموضوع نظرة واقعية وبضوئها يمكن القول أن العالم الغربي الأقوى في تحديد ورسم السياسة في منطقتنا (أحد أقطاب معادلة انتاج الاحداث ووسائل الضغط والتأثير) وان أعلن توجهه لمحاربة داعش والقضاء عليها وهو جاد فيما يقول، لكنه ومن جانب آخر لم يتجاوز ستراتيجيته في استمرار بقاء المنطقة التي من بينها العراق بؤرة توتر، لتحقيق أهداف بعيدة ذات صلة بالتوازن والنفوذ والاقتصاد والبقاء الاسرائيلي الآمن، الى ان يغير أبناء المنطقة نهج تفكيرهم الثوري المتطرف في التعامل مع الأهداف، ليقبلوا الواقع المنتج ويقتربوا من العالم الآخر في العيش والتفكير ويتعاملوا معه برؤية المصالح المتبادلة. والى أن يتحقق هذا سيبقى التوتر كأداة ضغط على أبناء المنطقة امرا محتملا بقدر عالٍ، وسيبقى انتاج جيل ارهاب جديد محتملا أيضاً. لكن إنتاج التوتر أو الاستقرار من أية جهة في العالم، ومهما بلغت من قوة التأثير لا يأتي سهلاً ولا يتحقق عن طريق الأوامر والتوجيهات، بل ومن خلال التفاعل مع عوامل أخرى بينها أو أهمها البيئة الاجتماعية المحلية (القطب الثاني من المعادلة)، وبصددها نرى أن الأفكار الطائفية المتطرفة التي أسس عليها الدواعش في اجتياحهم لمناطق من العراق لم تتغير كثيراً، وما تبقى منها له القدرة النفسية على انتاج أجيال أخرى بدوافع الانتقام والعدوان، وما تركته داعش من فهم خاطئ للدين عند أهل تلك المناطق فيه الكثير من الأفكار غير المتوافقة مع أفكار المجتمع العراقي المعتدل. ووجود مثل هذه الأفكار أعلى سطح الذاكرة القريبة يجعلها من بين عوامل انتاج الارهاب بأجيال ثالثة وباحتمالات ليست قليلة. وفي الجانب المقابل من المجتمع العراقي، لم يتغير العراقيون بالقدر الكافي للاستيعاب والتسامح والتواد والمشاركة في العيش والحكم والتعاون لتفكيك التطرف، وهذه عوامل مضافة ترجح انتاج أجيال أخرى. ومع هذا فان العراق القطب الثاني في المعادلة يمتلك فرصة للحيلولة دون انتاج الجيل الثالث اذا ما تحرك سريعاً لتبديد العدوان عند أبناء المناطق المذكورة وخفف من شدة الانفعالات السلبية في العقول ودفع باتجاه التسامح وأعطى الجانب الآخر في معادلة التوازن أكثر من استحقاقاته، واقترب أكثر للغرب وأرسى قواعد قوية للديمقراطية.
|