مثلما يعرف الجميع ان الدور الذي حدده الدستور العراقي للبرلمان هو التشريع والرقابة. والبرلمان العراقي لا ينفرد بهذه الميزة بل هي تكاد تكون عمل كل البرلمانات في العالم والتي يستند فيها العمل على قاعدة الفصل بين السلطات، فالبرلمانات هي التي تشرع القوانين بينما الحكومات هي التي تنفذ تلك القوانين. وللبرلمان دور آخر هو مراقبة اداء السلطة التنفيذية. وهناك آليات حددها الدستور لعمل ذلك من بينها الاستضافات والاستجوابات التي يمكن ان تؤدي الى سحب الثقة من الوزير او رئيس الحكومة او حتى اقالة الحكومة برمتها.
وبما ان البرلمان يتكون من كتل واحزاب فان ذلك ينعكس في الغالب على الحكومة التي مرة تكون حكومة اغلبية سياسية ومرة ائتلافية. بالعراق الامر لا يختلف من حيث طبيعة التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخاب وتكوين الكتل والائتلافات والتحالفات ولكنه من حيث واقع الحال فان هناك اختلافا كبيرا بين ما يجري في العراق وما يحصل في العديد من التجارب الديمقراطية التي يمكن ان نقول عنها انها ناجحة. السبب في ذلك يعود الى المحاصصة العرقية والطائفية التي جعلت عملية تداول السلطة بالبلاد تستند الى قاعدة غير معمول بها في معظم برلمانات وحكومات العالم وهي وجود الجميع بالسلطة وبالمعارضة بالوقت نفسه. وواقع الحال فان هذا هو احد العيوب التأسيسية في العملية السياسية بعد عام 2003. وطوال السنوات الماضية ورغم كثرة الدعوات التي تبنتها كتل برلمانية كبيرة منها ائتلاف "دولة القانون" لتشكيل حكومة اغلبية سياسية الا انها بقيت تصطدم بهذا العيب، الامر الذي يحول دون تحقيق هذا الهدف الذي يبدو ان الجميع ادرك الآن اهمية اللجوء اليه. لذلك نرى انه من الطبيعي ان يكون العمل البرلماني والحكومي في الدول المستقرة من حيث التجارب الديمقراطية عبارة عن تقويم للحكومة من قبل البرلمان وللبرلمان من قبل الحكومة، فحتى الانتقادات والخلافات تصب كلها في الصالح العام ومن اجل المصلحة الوطنية. غير ان الامر يختلف بالنسبة لتجربتنا التي يشارك فيها الجميع في البرلمان والحكومة ويعارضها هؤلاء انفسهم في الوقت نفسه. ولذلك تتحول الخلافات والانتقادات بين الطرفين الى تراشق وليس الى تقويم. فحين نتناول قضية الاستجوابات مثلا فانها وبالرغم من انها حق كفله الدستور فانها تتحول الى مشكلة وتراشق بين الطرفين ويمكن ان تتحول الى تسقيط. ولذلك يضيع الهدف الحقيقي من الاستجواب بحيث يصعب التمييز بين الاستجواب المهني والآخر الذي يستهدف هذا الطرف او ذاك. وايضا يمكن ان نأخذ المثال الاخير في عملية التراشق الحكومي والبرلماني بما يتعلق بموضوع مناقلة 50 مليار دينار عراقي من الموازنة الى البرلمان، حيث نلاحظ ان الحكومة تهاجم البرلمان والبرلمان يتحدى، والمواطن وبسبب عدم وجود شفافية لا من قبل السلطة التشريعية ولا التنفيذية يتهم الاثنين بالفساد. وانا على ثقة ان هذا سوف يستمر ما لم تتشكل اغلبية سياسية تحكم واقلية سياسية تعارض. عندها كل طرف سيعرف دوره وحدود هذا الدور.
|