الطاهر … محطات وحوار الحضارات

 

بعد زيارة للدكتور أحمد عبد المجيد رئيس تحرير ( الزمان ) في بغداد جمعني لقاء سريع بالصدفة بالكاتب المهندس عكاب سالم الطاهر في مكتب الاخ ( ابو سيف ) بالصحيفة عرفت منه أخر نتاجاته في رحلته الطويلة مع الكتابة والثقافة وهو كتاب ( بعيدا عن المطابقة .. قريبا من الاختلاف .. حوار الحضارات .. يبدأ من هنا ) صدر له حديثا .. وتسلمت بعد مدة قصيرة من ذلك اللقاء نسخة من الكتاب ، مع كتاب أخر له سبقه بالصدور ( على ضفاف الكتابة والحياة … الاعتراف يأتي متأخرا )  هدية منه شاكرا له…

 

والاثنان من منشورات مكتبة الدار العربية للعلوم  في بغداد  ..

 

ولفت انتباهي  للوهلة الاولى  بعد تصفح الكتابين العنوان  ، ويمكن أن أعده  من ( مصائد ) الكتاب المحترفين التي تجعل القارىء يدخلها بمحض ارادته مدفوعا برغبة وشوق كبيرين  لمعرفة ما وراءه ، والى الغوص في الاعماق في مضمونه بعد أن  ( إستمكن ) موضعه مقدما من ذلك العنوان ، أو في رغبته الابحار مع  ذكريات الكاتب ومذكراته ومحطاتها وتجاربه  في الحياة الخاصة والعمل والوظيفة ، والعلاقات الاجتماعية والحراك الفكري والثقافي ، وحالات هو شاهد عليها أو مشارك فيها ، وتمتد على مساحة العمر ليعرف  منها مخزون هذه الذاكرة في سنواتها  الطويلة بكل حالاتها المختلفة ..

 

 والكتاب يحاول ان يرد على من يدعو الى الصدام باعتباره ( نهجا تدميريا قاتلا ) و( يعطل تطور الانسانية )  ويؤكد على اهمية ( مناهضته والتركيز على الحوار  بين الحضارات )  لما له من دور كبير في حياة البشرية ..لأنه يتجاوز الذات الصغيرة والكبيرة الى ما هو ابعد عالميا  ، وعلى قدر خطير من الاهمية ، خاصة في هذه المرحلة التي يحتاج فيها العالم الى ( بناء صداقات وعلاقات تقوم على مصالح مشتركة ،  تعود بالفائدة على الجميع ، وليس لطرف دون الاخر ، وعلاقات انسانية تحترم الخصوصيات ، وليس الى صراعات وصدامات وتناقضات والانغلاق على الذات أواستعمال القوة بمختلف وسائلها  من طرف لتحقيق مآرب خاصة  للزعامة والسيطرة والسيادة وفرض الوصاية ) واعتبار الأخر أقل منه ،  أو كأنه غير موجود ، أو ينظر له نظرة خلاف حقيقته  ويتصرف معه على اساس هذه النظرة غير الصحيحة … وهذا ( ما يتعارض مع الحداثة والتواصل الحضاري ) وحاجة العصر وطبيعته اليوم ، خاصة  بعد ان تعرض  العالم الى اختلالات كبيرة نتجت عنها مشاكل كثيرة ، ومأس مروعة ونتائج كارثية  بسبب تلك النظرة ..

 

ان  حوار الحضارات موضوع شائك وصعب ، ولكنه ضروري اليوم اكثر من أي وقت مضى ،  ويعرف الكاتب الطاهر مسبقا  انه ( دخل في موضوع مليء  بالمتحدثين من المؤيدين والمشككين معا ،.

 

 كما أن فيه من التعقيد والحساسية الكثير ،  لكنه يرى ان الحضور فيه مطلوب وضروري ، والمساهمة الايجابية فيه اكثر ضرورة ويتطلب استعدادا بمستوى سماته ..) … فالكتاب على حد ما جاء في تقديم المفكر الدكتورعبد  الحسين شعبان الذي عرف بطروحاته  الفكرية  العميقة ، ومساهماته المتميزة في هذا الموضوع وغيره قد ( إحتوى على اضاءات مهمة لفكرة حوار الحضارات وصدامها ، وبقدر محاولته الاجابة على عدد من الاطروحات والاشكاليات ، فإنه أثار أسئلة أخرى تحتاج الى المزيد من التبصر والتفكر والتدبر خارج اليقينات التقليدية والانحيازات المسبقة والمسلمات الجاهزة .. انه كتاب يمنحك قدرة التأمل بهدوء ولكن بسمؤولية ..)

 

و يضيف  ايضا أن ( عكاب الطاهر  يحاول ردا على اطروحات الصدام ان  يعتبر الحضارات جزءا مكملا الواحد للاخر،  فيدعو الى تعارفها وتفاعلها ، منددا بالصيغة الواحدية ، باحثا في الاستشراق بشكل عام والروسي بشكل خاص والاستعمار وتبعاته التاريخية ، داعيا للاعتذار والتعويض واسترداد الثروات وبناء اسس جديدة للعلاقات الدولية ، وذلك ما يختم به فصوله الستة ، بفصل سابع عن حوار الحضارات مع فصل ثامن للعرض والتحليل لكل ما تقدم ذكره ..) ..

 

وتلك هي قيمة الكتابات الجادة  التي تشكل اضافات مهمة ، خاصة اذا كانت تتناول مواضيع على قدر كبير من الاهمية ، مثل  حوار الحضارات  الذي اصبح  ( مطلبا عالميا ليكون بديلا على دعوات الصدام )..

 

ولا بد  من أن تتظافر الجهود على مستوى الفكر والعمل معا لانضاجه ووصوله الى الهدف المطلوب  بالتفاعل القائم على احترام الاخر  وخصوصيته ، وهو شرط اساس للوصول الى نتائج طيبة منه…

 

             

كلام مفيد :

 

  من جميل ما قيل ( العلــم الذي لا عــــمل معــــه لا قيمة له )..