قرابين الوطن على مذبح الحرية... بقلم: عباس ساجت الغزي |
الوطن ذلك النبض العازف على اوتار الزمن بقيثارة الخلود المصنوعة من اضلع الابطال من ابنائه , دروب الحناء فيه لا تخلوا من اللون الاحمر بلون الليالي الحمراء للظلمة , دم بنكهة النعناع وعطر جنة الفردوس وتلالا النفوس النقية , وطريق الحرية لم يعد موحشاً لكثرة الذئاب المتربصة للسائرين فيه , والجدران لم تعد ترغب بكتابة الشعارات عليها خوفاً من وشاية جدران اخرى ذات اذان . ارضه ضاقت على اهلها الشرفاء بما رحبت , وفاضت خمرة ًلذة للشاربين لمن رضي الذل والهوان وباع ضميره بأرخص الاثمان , في زمن تلونت الوجوه فيه فصار اكثرهم كالأبالسة , بل هم اشد ضلالة , لكن الاناء لم يكن فارغاً فنصفه الاخر كان يصارع ليبقي قطرات من معين لشفاه صدحت بصوت الحرية وقارعة سطوة الجلادين . وسنابل الخير لا تزال يانعة في النفوس العاشقة للحرية وما برحت تنتظر قطافها لتمد صاحبها بمدد الهي ليكن شرارة الخلاص من العبودية في حكم الظلمة الجبابرة , ليالي ثم ليالي اشد ظلمة وتتبعها اشراقات شمس الحرية بتقديم القرابين من الارواح الطاهرة على مذبح الحرية , المكان الطاهر الذي لا يصله الا الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه , ورفضوا العبودية الا لله خالقهم . اول صباحات اليوم المشرق الجديد تعكر صفوه مناظر المشانق وبقايا الدماء الزكيات للأجساد الطاهرة من دنس العبودية للجلادين , سرعان ما تهب عليها نسائم الحرية من انفاس المؤمنين الذين انتظروا دورهم وما بدلو تبديلا , لتعود اعمدة المشانق اشجاراً مخضرةً لان جذورها لازالت تنبض بالحياة وهي تغمس راسها في الارض هاربة من ظلم البشر . مذ ذاك الصباح والنسائم الربيعية تمر على الاوراق المصفرة فتنعشها بقبلة الحياة لتخضر من جديد , فتراقص قرص الشمس وهي فاتحةً ذراعيها لتعانق الحياة , بتضحيات ابطال الحرية رسم الوطن حديقته الجميلة التي تسر الناضرين , ليعلن عودة الطيور المهاجرة لتبني اعشاشها من جديد , بعد رحلة طويلة عجزت فيها عن ايجاد وطن يشبه موطنها الاصلي . عادت لتقف على الاطلال يعتصرها الدمع لفقد الاحبة الذين انقطعت اخبارهم لهول غير الزمان على الوطن , واعلانه منطقة منكوبة لبطش الحاكمين فيه , وفوق الاطلال آنه قوية تستبكي الجراح الموغلة بالذكريات وهي تعصر شحمة القلب لفقد الاحبةِ والاخوةِ والاصدقاءِ , وندماً لنفس رسمت ملامح الرحيل لحظة الخوف وعادة لتذكر العهود الماضية . الدموع هذه المرة مختلفة لا تشبه دموع السابق , فهي تنزل متلألئةً كحبات اللؤلؤ بصورة ابتسامة , لتحفر الصخر وتنبت زهرة بعطر فواح , انها دموع الفرح لزوال الظلمة وعودة الحياة بصورتها الاجمل , ولقاء الاحبة بعد فراق طويل ولو على اطلالهم , فهم معنا في قلوبنا وتنهداتنا , وسائرون امامنا احياء عند ربهم يرزقون . |