غادرت الفنانة ناهدة الرماح آلامها وعالمنا هذا اليوم وتركت أثراً طيباً.

وداعا وداعا ناهدة الرماح ....
كانت تحلم بالوقوف مجددا على مسرح بغداد ( بيتها الذي تعشقه بشكل لا يوصف ) لتستذكر ادوارها الكبيرة .. (رديفة) في النخلة والجيران (وزنوبة ) في القربان (وماهية ) في الشريعة ( وحيرة ) في المفتاح (وغنية )في الخرابة . . لكنها رحلت عنا دون ان تحقق مناها لعدم اهتمام ذو الشأن بهذا الصرح ( المقدس ) عند المثقفين فبقت في حسرته ياللاسف .
لم تبك ناهدة الرماح في عهد صدام الجائر، ولم تنزل رأسها طوال سنيِّ الإظطهاد والقمع الذي تعرضت لهما في (جمهورية الخوف) الصدامية، فظلت أبية شامخة، حتى وهي تعاني شظف العيش في دول المهجر القاسي، فكانت تعمل في أسوء المهن من أجل أن تعيش في غربتها كريمة، محترمة. وكي لا يشمت بها عملاء النظام الدكتاتوري الصدامي في لندن حيث كانت تقيم. لذلك حافظت المناضلة الكبيرة ناهدة الرماح على أسمها وموقعها ومكانتها، ومبادئها الوطنية التقدمية ألسامية مثلما حافظت على تأريخها الفني الجميل فظلت عصية على الدمع، واليأس والانكسار كيف تنكسر ناهده وهي التي تربت في بيت شريف ونمت في بيئة طاهرة، وأر توت جذورها بماء الفراتين، وتتلمذت في صفوف مدرسة النضال الوطني على يد أمهر الأساتذة الذين تخرجوا من (نگرة) السلمان، أو من سجون النضال الأخرى.. لم تبك ناهدة الرماح، ولم تذرف دمعة واحدة في زمن القمع، رغم كل ما فعله معها الأوباش من ظلم وجور.. لكننا أبكيناها في زمن الحرية، وأوجعنا قلبها في عهد دولتنا الديمقراطية الجديدة، تلك الدولة الأمل، والحلم الذي إنتظرته ناهدة الرماح أربعين عاماً في سفرها الموجع !! ويوم رحل صدام، وأبتهج العراقيون، كانت ناهدة الرماح أكثر الناس فرحاً وسعادة برحيل الطاغية.. فها هو حلمها يتحقق إذن، وها هي آمالها البعيدة تدنو مضيئة لها طريقها بعد أن فقدت هذا الضوء لعقود ، ليس في عينيها فحسب، إنما في حياتها اليومية أيضاً. ولأنها سأمت الغربة والوجع والحياة الباردة، فقد قررت العودة الى وطنها مثل عصفور يعود الى عشه -
لكن المفجع والموجع أن ناهدة الرماح اوجعها الاهمال القاسي من حكومة السراق
لروحها السلام.
فنانة الشعب الراحلة ناهدة الرماح في سطور...
خطواتها الاولى في فلم ( من المسؤول ) عام 19566 أكدت حضور المرأة في عالم التمثيل في العراق .. ثم بوعي أختارت أنتمائها المتميز الى مدرسة المسرح العراقي ( فرقة المسرح الفني الحديث ) لتؤدي أول ادوارها الكبيرة معها شخصية ( أمرأة خرساء ) في مسرحية ا(لرجل الذي تزوج أمرأة خرساء ) في عام 1957 وعلى خشبة مسرح ( الملك فيصل ) حاليا قاعة الشعب في الباب المعظم .
أنتمت بجدارة الى الجيل المؤوسس لفرقة المسرح الفني الحديث فكانت قامة موازية بأستحقاق مع أبراهيم جلال ويوسف العاني ومجيد العزاوي وسامي عبد الحميد وقاسم محمد وخليل شوقي وزينب وما تبعهم من أسماء مهمة في مسيرة المسرح العراقي .
كشفت بجدارة عن ممثلة عراقية شعبية تتمتع بمرونة ذهنية غير عادية جعلتها تجرب الخوض بمسرحيات تجريبية مركبة مثل مسرحية ( حكاية الرجل الذي صار كلب ) للكاتب ( أوزدالدوا دراجون ) واخراج الكبير قاسم محمد شاركها التمثيل الدكتور صلاح القصب وروميو يوسف وخليل عبد القادر . 
كما واكبت العمل في اغلب اعمال الفرقة ( بغداد الازل بين الجد والهزل ) اخراج الراحل الكبير قاسم محمد ومسرحية ( الخرابة ) ليوسف العاني وهي اخراج مشترك لقاسم محمد وسامي عبد الحميد ومسرحية ( النخلة والجيران )للكاتب الكبير غائب طعمة فرمان والتي كانت اغلب احداثها تدور في محلة ( صبابيغ الال ) واخرجها ببداعة الراحل قاسم محمد ومسرحية ( الشريعة ) ليوسف العاني واخراج الكبير قاسم محمد ومسرحية ( نفوس ) اعداد واخراج الراحل قاسم محمد ومسرحية (المفتاح ) أخراج الدكتور سامي عبد الحميد .. 
ثم تبعتها بمجموعة مسرحيات حتى جائت الكارثة بفقدان بصرها وهي على خشبة المسرح وهي تؤدي دور ( زنوبة ) في مسرحية ( القربان ) للكبير غائب طعمة فرمان واخراج ( المرحوم فاروق فياض ) واعداد الناقد ياسين النصير .
كرست ناهدة حياتها وفنها في خدمة المسرح العراقي وفي مختلف الظروف بل وفي اكثرها قساوة .. فقد قدمت عروضا مسرحية في بلدان مختلفة رغم محنتها في النفي والغربة وفقدان البصر .. من افلامها السينمائية ( من المسؤول عام 1956 الظامئون 1973 يوم أخر 1978 ) تقيم في لندن لاكنها لا تحب غير بغداد تعرضت لحادث عرضي مفاجيء اصيبت على 
اثره بحروق ورقدت في مستشفى الكندي في بغداد لتخرج منه جثة هامده الى مثواها الاخير .
ستبقى ناهدة الرماح فنانة للشعب الذي احب النخلة والجيران