إذا أردت ان تتحكم في جاهل فعليك ان تغلف كل باطل بغلاف ديني . تُنسب هذه الحكمة الى الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد و منهم من ينسبها لغيره , و لا فرق عند العقلاء في الكلام العاقل مادام مبني على نسبة مرتفعة من ملامسة الواقع . بدايةً هذا الموضوع ليس للحديث عن ذات المساجد بل عن الذين يستخدمون المساجد لأغراضهم الخاصة و لمنافعهم الشخصية . في أحدى سفراته الى العراق , ألتقى بأحد رجال الدين الواعين , كان مهتماً غاية الاهتمام ببناء العدد الاكبر من المساجد في المدينة و القرى المحاذية لها , و بجهوده الاستثنائية الكبيرة استطاع ان يجمع أمولاً طائلة ,من ذات اليد السخية من أقطاب الحكومة , تمكن الشيخ من بناء أكثر من عشرين مسجداً و حسينية في منطقة جغرافية صغيرة بالقياس الى العدد المذكور . كلف بناء أحد المساجد مايقارب المليون دولار ! قبل شهر تقريباً ,سأله : شيخنا ماهي أخبار المسجد الكبير و الذي إكتمل بناءه قبل أكثر من ثلاث سنوات؟ قال لازال غير مفتوحاً , و الناس غير مهتمة بالامر و الامام يريد راتباً شهرياً لكي يقيم الصلاة و الصلاة لا تقام بإنتفاء المصلين, فانهجر المسجد قبل ان يُفتتح و بسؤال لا يخلو من حسرة في القلب, قال له لو كانت هذه الاموال التي أُنفقت على هذه الابنية (المساجد) مستثمرة لبناء مؤسسة لتأهيل المجتمع و تطوير قابلياتهم و سد ثغرة العوز عند الفقراء أما كان افضل من بناء مسجد , أما كان أجدى لو ان هذا البناء الكبير أقيم ليكون صالة لتعليم الناس الحِرَف و المهارات و إقامة النشاطات الثقافية و الفكرية ؟ دعني أنقلك أيها القارئ الى حيث أعيش أنا, الولايات المتحدة الامريكية , فثمة مراكز إسلامية منتشرة على مساحة واسعة من هذه الارض , وبين مسجد و مسجد, اشخاص يتداعون لجمع الاموال, لله يا محسنين , يتصارخون و يجوبون كل الوسائل لكي يجمعوا العدد الاكبر من المال و حفلات التبرع ممتدة على طول العام . الكل هنا مهتم ببناء مركز اسلامي او مسجد او حسينية , تختلف العناوين, لكنها تتفق على سلب أموال الطيبين من الناس و بوسيلة مغلفة بغلاف ديني. يسعى رجال الدين لتأسيس مركز مستقل لكل شخص منهم , فعندهم من الغيرة ما يفوق الضرائر . قبل فترة طُرد احد أئمة المراكز من منصبه بعد إتهامه بالسرقة و تحويل بعض الاموال بطريقة إحتيالية الى أهله , لكن بعد مدة لم تدم طويلاً لم يستطع البقاء بدون مركز تجاري ديني ,اشترى هذا الامام العلامة! مركزاً اسلامياً جديداً كلفه أكثر من خمسة مليون دولار ! المراكز الاسلامية متناثرة في مدن و أزقة الشوارع, لكن فعلها الاصلي غير موجود , المسجد او الجامع الذي أسس لكي يقرب الناس و يوحد كلمتهم و يجمع شملهم, صار مكاناً للتكريه و التحريض على البغض و العداء , حتى بين الطائفة الواحدة و المجتمع الواحد . إنها مأساة عندما تكون الجريمة واضحة و السرقات و الاحتيالات بينة و المنافع الشخصية باسم الدين شاخصة , ومع ذلك لا احد يستطيع البوح فالسكوت و الخنوع صار هو العلامة التي تميز مجتمعاتنا للاسف . تتفاخر بعض المراكز الاسلامية بحجمها الكبير و صالاتها العملاقة و نفقاتها الباهظة ! لكن السؤال المهم كم عدد المصلين في تلك المساجد الشاهقة؟ ألا يعلم هؤلاء المتفاخرون ان عدد رواد مساجدهم في الايام العادية يعادل اصابع اليد ! لماذا هذا الهدر باموال البسطاء و الطيبين من الناس ؟ نشب صراع في أحدى المدن القريبة , حول بناء مركز اسلامي , المنطقة ليس فيها من المسلمين ما يستوجب بناء هذا المسجد الكبير , عارض بعض المسيحيين المكتوين بنار الطائفية و التهجير بناء ذلك المسجد , وفي هذه المرحلة استغل بعض رجال الدين , الضخ من مفردات التكريه و الخشية على الاسلام ! و الحقيقة لا أجد أخطر على الاسلام من بعض المسلمين أنفسهم. معظم المراكز الاسلامية هي محلات تجارة نفعية تدر أمولاً للقائمين عليها و وجهات و ممارسة زيجات شرعية وغير شرعية باسم الاسلام , لم يجني الاسلام و لا المسلمين منها شيئاً , بالقدر الذي جلبته لهم من مضرة و كره بين المجتعات . تذكرني بعض المساجد الامريكية خاصة في ولاية ميشيگن بمسجد ضرار . تقول القصة . أتت جماعة من المنافقين إلى النبي محمد وطلبوا منه أن يسمح لهم ببناء مسجد في حي بني سليم ,قرب مسجد قبا ,لكي يتنسى للمرضى و كبار السن الصلاة فيه وكذلك ليصلي فيه جماعة من الناس الذين لا يستطيعون أن يحضروا مسجد قبا ,في الأيام التي يكثر فيها الحر او يزداد فيها المطر، كان ذلك في وقت كان فيه النبي عازماً على التوجه إلى غزوة تبوك. فأذن لهم النبي ، إلا أنهم لم يكتفوا بذلك، بل طلبوا منه أن يصلي فيه، فأخبرهم بأنه عازم على السفر، وعند عودته سوف يأتي مسجدهم ويصلي فيه. فلما رجع النبي من غزوته, حضروا عنده وطلبوا منه الحضور في مسجدهم والصلاة فيه، وأن يدعوا الله لهم بالبركة، فنزل الوحي وتلى عليه هذه الآية ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) عندها انكشف الستار عن نيّة هؤلاء المنافقين، فأمر النبي بحرق المسجد المذكور، وبهدم بقاياه، وأن يجعل مكانه محلاً لرمي القاذورات والأوساخ. بالله عليكم كم مسجداً اليوم يحتاج الى هدم و تحويله الى مشروع انساني نافع او الى مكان لرمي الاوساخ كما فعل النبي محمد ص .
مشكلة مجتمعاتنا هي البساطة و التراتيبية في العيش , الاتكال على الاخرين في القيام بمهمة يرونها حقيقة لكنهم لا يريدون اخذ زمام الامر للتقدم نحو مشروع التغيير , أدرك ان أغلب الناس تفهم ان لا ضرورة لهذا العدد من المساجد الفارغة , ليس بالضرورة ان يكون لكل رجل دين مسجد و الذي يطرد من مركزه يجب ان يمارس عمله الديني من خلال حياته اليومية و من خلال الفعل و ليس الوعظ الفارغ . المراكز الدينية اصبحت عقارات يمتلكها رجال الدين إرث مستمر لهم و لأبنائهم لا أحد يستطيع ان يقول حرفاً بالضد من ذلك . بعض المراكز تعتاش على زرع الطائفية و نشر ثقافة المقت و الضغينة . الاشكال الاول يقع على الذين ينفقون أموالهم او المتصدرين من بعض قيادات المجتمع الاسلامي في الجالية لكي يسألوا أسئلة ضرورية و ملحة , أسئلة معني بها أئمة و أعضاء المساجد الذين يتقاضون رواتب خيالية و هبات تفوق التخيل . ماذا حققت هذه المساجد غير النفع لأصحابها فقط؟ هل عالجت مشاكل المخدرات و السرقات و العصابات التي تكثر بين ابناء الجالية ؟ هل إهتمت بالفقراء و المحتاجين منهم ؟ هل عالجت الوضع العلمي لأبناء الجالية ؟ هل أهتمت بمسألة الطلاق و العلاقات العائلية ؟ فيما اذا قالوا ذلك ليس من اهتمام المراكز الدينية , نقول هل خلقت هذه المراكز مجتمعاً اسلامياً فقيهاً و متديناً حقيقياً ؟ هل أبعدت مواعظهم الكسولة الشباب من ممارسات لا يقبل بها الاسلام ؟ و السؤال المهم هل نحن فعلاً بحاجة الى هذا العدد الكبير من المساجد المهجورة بسبب خواء فكر أئمة تلك المراكز؟ أليك ايها الرجل الطيب الذي تنفق أموالك بنية التقرب الى الله , ألا تلاحظ ان هذه المراكز بعيدة عن خط الله و الصالحين ؟ ألا تلاحظ أن هذه المراكز تابعة لشخص او شخصين يوهمون الناس انهم يعملون لله و من اجل دين الله ؟ من يريد التقرب الى الله فالينفق على الفقراء و المحتاجين و ليس على الاثرياء و المحتالين و المتخفين باسم الله . يجب ان نستفيق .. |