ما دار بين العبادي وترامب خلال الزيارة الأخيرة لواشنطن امر نتركه للأيام لكشف التفاصيل, لكن ما يهمنا كعراقيين ان يبقى العراق محتفظا بالأولوية في أجندة الاهتمامات الأميركية التي لا يمكن تجاوزها وان تبقى حنفية الدعم والمساعدات التقنية واللوجستية في حربنا ضد الارهاب مفتوحة ومستمرة.
الوضع في العراق بعد الانتهاء من هزيمة داعش الحتمية في الموصل أمر تريد واشنطن مناقشته مع بغداد وترتيب الداخل العراقي بطريقة لا تسمح بعودة الأسباب والخلافات التي قادت الى حصول أحداث حزيران من العام 2014 والتي سبقتها عواصف واهتزازات وعمليات تصعيد طائفية وسياسية قامت بها ما يعرف بمنصات الاعتصام التي تم احتضانها ودعمها من قبل السعودية وقطر وتركيا وقادت لاحقا الى سيطرة الدواعش على هذه المحافظات المعتصمة وتطور الوضع لاحقا إلى نتائجه المعروفة وهو أمر لا يرغب الجميع بعودته.
قد تكون لواشنطن آراؤها المختلفة والمتقاطعة مع السياسة العراقية بشأن العديد من الملفات الساخنة التي تؤثر في صميم العلاقات, لكنها تبقى اختلافات في وجهات النظر وليست خلافات مصيرية, اذ ان واشنطن تعلم جيدا انه من المستحيل مطالبة الحكومة العراقية في الأوقات الراهنة بالوقوف إلى صفها وتبني وجهات نظرها السياسية في التعامل مع ملفات المنطقة وخصوصا الملف الإيراني الحساس والصعب والدقيق والاستجابة لشروطها في تحسين علاقاتها مع دول كالسعودية وتركيا وغيرها.
العراقيون لهم مؤاخذاتهم على سياسات واشنطن في المنطقة وتعاملهم البطيء وغير المقنع والحاسم مع التنظيمات والعصابات الارهابية منذ وقت مبكر على ظهورها ليس في العراق, بل في سوريا ايضا, حيث تقيم اخطر التنظيمات الإرهابية التي يشكل وجودها تهديدا دائما ومزمنا للعراق, اضافة الى طريقة إدارتها للحرب واساليب القتال وأولويات تحرير المناطق وخطط القتال التي تتم بإشراف منها وإصرارها على تنفيذ هذه الخطط بحذافيرها كشرط لتقديم الدعم الجوي الذي يعد حاسما في المعارك ضد عصابات داعش الإرهابية.
زيارة العبادي لواشنطن وان جاءت متأخرة قليلا الا انها تعطي دليلا على اهمية العراق كدولة رئيسية واساسية في المعركة ضد الارهاب وهي السياسة التي يريد ترامب في بداية عهده الرئاسي ان يمضي بها الى النهاية, حيث يصعد الجيش الاميركي حاليا من عملياته المختلفة في اليمن وسوريا والمطلوب ان تحقق هذه الزيارة أهدافها في الحصول على المزيد من الدعم والمساندة, إضافة الى إعادة إعمار المناطق المحررة التي تحتاج الى اموال وجهود كبيرة لا يستهان بها وهي بالتأكيد من أولويات الزيارة.
هناك أمور للأسف لا يزال العراق يفتقد اليها بشدة في علاقاته مع واشنطن أبرزها عدم وجود فريق دبلوماسي وسياسي ملم بالشأن الأميركي يعمل على توظيف لوبيات خاصة داخل المؤسسات الأميركية المؤثرة للحصول على المزيد من عمليات الدعم ليس في المجال العسكري, بل في المجال الاقتصادي والسياسي كما يفعل السعوديون وغيرهم, إضافة إلى استثمار وضع العراق الستراتيجي في المنطقة والمعركة ضد الإرهاب في توسيع دائرة المشاركة العالمية في هذا المجال.
المعركة ضد داعش الإرهابي في مدينة الموصل تجري بسرعة قياسية لصالحنا وعملية ترتيب الأوضاع الداخلية وترميم البيت العراقي الداخلي ومعالجة الخلافات السياسة والوقوف موحدين خلف هذا الهدف استحقاق قادم وبقوة وهو يتطلب معالجة سياسية حكيمة ومتأنية وتنازلات من قبل الأحزاب, خصوصا وان القناعات السابقة من قبل الجهات والاطراف التي تبنت موقفا عدائيا من الدولة العراقية وكما فعلت في السابق قد تغيرت بزاوية استدارة كاملة مما يجعل المناخات ملائمة الآن لسد باب الخلاف والاتجاه نحو النهوض بالاقتصاد العراقي ومحاربة كل أشكال البطالة والفقر ورفع معدلات التنمية وإنعاش الاقتصاد العراقي مع توسيع دور القطاع الخاص والاهتمام بإعادة بناء المؤسستين العسكرية والأمنية وفق أسس ومعايير وطنية ومهنية.
ترامب يحاول اعادة ترتيب أوضاع المنطقة بما يتلاءم مع مصالح واشنطن وعملية تحديد الأولويات والأهداف والتحالفات ستراتيجية يحاول الوصول إليها عبر سلسلة زيارات لزعماء المنطقة بضمنهم العبادي الذي يدرك ان تسريع وتكثيف الدعم والمساندة الاميركية للقوات العراقية امر سيساعد في تقريب موعد الانتصار في الموصل ووضع النهاية لمصير عصابات داعش في العراق من دون تقديم تنازلات تمس السيادة العراقية بشيء او أن تكون على حسابها.