جميلة الجميلات سكتت دهراً ونطقت كفراً |
في سابقة لم يتوقعها أحد في أي برلمان من برلمانات الدول الإسلامية ولا بقرار من حكوماتها، خرجت علينا البرلمانية العراقية جميلة العبيدي لتعلن عن مقترح قانون يشجع على تعدد الزوجات، الأمر الذي لاقى سخرية لم تعهدها مواقع التواصل الإجتماعي لا في العراق وحده، بل وفي العديد من الدول العربية والإسلامية تسعى هذه البرلمانية العراقية إلى جمع تواقيع أعضاء في مجلس النواب العراقي لدعم تشريع “تعدد الزوجات”، حيث قالت خلال مؤتمر صحفي عقدته في مبنى البرلمان العراقي في 12 من الشهر الجاري، إننا “غفلنا عما هو أعظم لنا من حق ننساه أو لم نفهم حقيقته إستجابة لأنانيتنا ألا وهو تعدد الزوجات الذي حاصرنا الرجل به على الرغم من زيادة ظاهرة في الأرامل والعوانس والمطلقات اللواتي تجاوز عددهن الأربعة ملايين”. رغم سوء إستغلال مناسبة توقيت الإعلان عن هذا المقترح، ورغم سخافة أسبابه التي أعلنتها هذه البرلمانية، كون هناك مشاكل إجتماعية وإقتصادية كبيرة جداً تعاني منها المرأة العراقية منذ الإحتلال في عام 2003 ولغاية يومنا هذا كان من المفترض أن تعمل على حلها هذه البرلمانية وغيرها من عضوات وأعضاء البرلمان، ناهيك عن المصائب التي تتعرض لها العوائل النازحة بسبب الأعمال العسكرية وخصوصا من محافظة نينوى التي تمثلها هذه البرلمانية. يضاف إلى ذلك فإن هذه البرلمانية لم تأتِ بإختراع جديد، فالإسلام وهو المصدر الأساسي للتشريع العراقي بحسب دستور العراق، يُحلل الزواج من أربع نساء، كما أنه لا يوجد أي قانون عراقي يمنع تعدد الزوجات، فقط هناك شرط في قانون الأحوال الشخصية العراقي لسنة 1959 ينص على أنه “إذا خيف عدم العدل بين الزوجات فلا يجوز التعدد ويترك تقدير ذلك للقاضي”. تشريع قانون المؤلم، بل والقبيح في الأمر أن هذه البرلمانية، وفي تغريدة لها على تويتر، قالت دفاعاً عن مقترحها، “لأجلكم يا رجال العراق المظلومين بنساء كأنهم خرفان ومن أجلكن يا نساء العراق المظلومات بسبب العنوسة والترمل سوف امشي بتشريع القانون”.”الرجال المظلومين…. والنساء كأنهن خرفان”….، أي منطق أجوف خالٍ من الأدب واللياقة هذا الذي تتحدث به هذه المرأة، حيث من المعروف أنها برلمانية أنتخبت من قبل شريحة كبيرة من الرجال والنساء لتكون عضوا في البرلمان العراقي. وفي تغريدة لها دعت إلى صرف حوافز مالية قدرها 350 ألف دينار للذي يتزوج أرملة و 250 الف دينار للذي يتزوج عانس عمرها أكثر من 35 سنة، وكأن المرأة العراقية، ومهما كان وضعها الإجتماعي، بضاعة يجري الترويج لها. والمهزلة الأخرى هو ما نشرته هذه البرلمانية على صفحتها في موقع التواصل الإجتماعي، الفيس بوك، حيث ذكرت أنه “تم الغاء قانون موافقة الزوجة الأولى على الزواج من ثانية وبهذا الحال أصبح الزوج لا يحتاج إلى موافقة زوجته الأولى على الزواج من ثانية وفي حال طلبت الزوجة الأولى الطلاق من زوجها فانها تحرم من كافة حقوقها وتصـــــــبح مجبرة على دفع المبلغ المؤخــــر من المهر لزوجها ويصدر عليها حكم التنشيز بمنعها من الزواج 7 سنوات” ترى من أصدر إلغاء هذا القانون ومتى وكيف؟ تساؤلات كثيرة لا زالت تحتاج للإجابات القانونية المقنعة. بالرغم من أن تعدد الزوجات معروف في الكثير من المجتمعات العربية وغيرها، فإنه يبقى موضوع نقاش حاد بين من يرى أن سلبياته أكثر من إيجابياته والعكس، ولكن على الصعيد الطبي البحت، هل تعدد الزوجات مفيد للصحة أم مضر بها؟ فمثلاً، أظهرت دراسة أجريت في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز أبحاث في جدة بالسعودية في أبريل/نيسان الماضي، أن الرجال الذين عددوا الزوجات كانوا أكثر عرضة لمشاكل القلب بمعدل أربعة أضعاف وشملت هذه الدراسة 687 رجلا في السعودية والإمارات العربية، وقدمت في إجتماع جمعية القلب الآسيوي الباسيفيكي في أبو ظبي. ومن التفسيرات المذكورة هنا أن تعدد الزوجات يفرض على الرجل متطلبات إضافية، سواء كان على الصعيد النفسي من حيث العدل في التعامل وأسلوب التعايش، أو على الصعيد المادي من حيث توفير التغطية المالية للزوجات وأولادهن، أو على الصعيد البدني. وفي المقابل فإن هناك عدة دراسات تشير إلى أن التعدد يؤثر سلبيا على الحالة النفسية للمرأة، ويشمل تراجعها وتراجع تقييم الذات، وهو أمر قد يكون تفسيره نتيجة المشاعر السلبية تجاه الزوجة الأخرى، والشعور بالحاجة الدائمة إلى التنافس وإثبات الأفضلية للرجل مقارنة مع الزوجة الأخرى. نتمنى على البرلمانية العبيدي أن تطلع على هذه الحقائق العلمية قبل الذهاب بعيداً بموضوع مقترحها الذي رفضته أكثرية النساء، وحتى اللواتي تعتقد البرلمانية أنها تدافع عنهن من أجل تزويجهن. وإضافة لما ذكرناه أعلاه، هل تعلم البرلمانية العبيدي أنه، وفي آخر تقرير للجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط عن التركيبة السكانية للعراق عام 2013 يشير الى ان عدد الذكور من سكان العراق الان يزيد عن عدد الاناث بنسبة 2 بالمئة. ففي مقال للكاتب يوسف الأشيقر بعنوان “خمس ذكور العراق لن يجدوا أمراة.. وداعا لعبودية النساء”، ذكر فيه أنه، ولكون عدد سكان العراق بنهاية 2014 يقدر بحدود 36 مليون نسمة، هناك أكثر من 700 الف ذكر بينما لا توجد فعلياً مقابله أنثى عراقية ليقترن بها. وهذا يخالف النسبة المعروفة والمتوقعة في دول المنطقة والعالم حيث تزيد نسبة الإناث الى الذكور وأنهن يعشنأطول، وهذا مع كل الإرهاب والحروب والمجازر والهجرات التي تأكل في العادة ذكوراً أكثر. وإذا أضفنا لذلك ظاهرة تعدد الزوجات التي إنتشرت وتصاعدت نسبها بعد 2003 فان المعروض من الإناث المتبقيات للزواج سيقل أكثر بكثير. فتشير تقديرات اليونسيف إلى أن 6 بالمئة من رجال العراق لهم أكثر من زوجة، مما يعني أن نحو مليوني إمراة إضافية غير متوفرة للزواج أمام الذكور العازبين. يضاف لذلك مليون إمرأة بعمر 65 فأكثر لايعرف نسبة القابلات للزواج بينهن. وبالمحصلة فان 1 من كل 5 ذكور أحياء الآن في العراق وغير متزوجين لا توجد مقابله أنثى عراقية للزواج منها إذا تزوج الأربعة الآخرون. ظاهرة اجتماعية ويذهب الكاتب ليقول أن المشكلة قد لا تبدو واضحة كظاهرة إجتماعية بارزة الآن ولكنها بالتأكيد ستكون ملموسة وخطيرة خلال 10 الى 15 سنة قادمة وربما أقل. فمعظم المأثرين بها هم دون سن الزواح الآن حيث أن أكثر من 50 بالمئة من السكان تحت سن 19. وسيكون أهم مؤشر ديموغرافي مستقبلي لمراقبة الظاهرة هو فارق معدل سن الزواج الذي يبلغ الآن 26 للذكور و23 للاناث بمعدل 25 سنة. وعلى عكس رأي هذه البرلمانية، ذهب آخرون وإقترحوا تحريم تعدد الزوجات بالمطلق وبسرعة كون أن كل زيجة ثانية في العراق وبعيداً عن مشاكلها الذاتية ستخلف، شئنا أم أبينا، وبلغة الأرقام شاباً مقابلاً غير قادر على الزواج ومشروعاً لمشكلة نفسية وإجتماعية لا ندرك بعد كل أبعادها. أما تقليل سن زواج الإناث أوشرعنة زواج القاصرات فهو سرقة من حصة الأجيال القادمة من الذكور وليس إقتراضاً لأنه لا يمكن تعويضه ورده. وسنخلق عندها مشكلة أكبر بكثير لأحفادنا. وأضاف هؤلاء الذين يعارضون تعدد الزوجات أن على دوائر الدولة المعنية الإنتباه مبكراً لهذه المشكلة القادمة والتثقيف لها. ومن ناحية ثانية، يجب على مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات النسوية توعية الإناث بأهميتهن المكتسبة حديثاً ورقمياً وعدم التفريط بأنفسهن بزيجات ثانيةأو غير كفوءة أو إجبارية أو مذلة وأنها فرصتهن لتحقيق المســاواة الحقيقية والتقدم. |