بيت وأب وأبناء

 

مهاب في قومه محبوب في اهله يهفو اليه المحتاج في كل وقت وفي كل حين وقد لا تزيد على الطرقة الواحدة للباب وفي كثير من الاحيان قد لا يطرقها بتاتا فيسرع صاحب البيت لنجدته ولا يبالي بما سيكون لأنه قطع على نفسه وعدا ان يكون سندا لأخوته الصغار وحاميا لضعفهم وان كلفه حياته وجميع ما يملك .

 

ومضت السنون بصاحبنا وانعم الله عليه من الاولاد الاشداء عصبة ورزقه من الاموال نعمة ، ولكل ولدا منهم امتاز بصفة حميدة تختلف عن الاخر واراد هذا الرجل توزيع ابنائه ليستغلوا ارضه الواسعة فاحدهم امتاز بشموخ النخل لا يأبى من الرياح العاتية شيئا لان جذوره عميقة اقتطع له والده ارضا متطرفة نوعا ما عن بيت الاب وبنا له هناك لأنه عرف به الشموخ ، وللأخر اقتطع له ارضا شاسعة الطول والعرض فيها نهرا مائه فراتا عذبا يعمل في الارض طيلة اليوم وعند الغروب يغتسل من هذا النهر فيذهب تعبه هباء منثورا وفطن في ولده هذا القوة والتحمل لذا اقتطع له هذه الارض ، وجاوره بالثالث وكان مولع بالسيف والرمح والصيد ليكون سندا وحصنا لأخوته ،واخر منحه جنة من فاكهة الحمضيات وانواعا اخر ، وللأخر فتح له معملا ليكمل احدهم الاخر وهكذا تم توزيع ارضه كلها بشرط ان سند الملكية بيده والانتاج يعود اليه ويوزعه على البقية بالتساوي والعدل ، وبيته كان جميلا يجتمع فيه الاخوة لتفريغ الهم ولتقوية الاواصر الاخوية .

 

وحال هذه العائلة وتماسكها لا يريح من يجاورها من البيوت المتهاوية لانهم جربوا حظهم مرة ومرات عدة فلم تنفعهم شفاعة الشافعين لان سياج البيت كان عاليا ومتينا فلم يستطع احدهم تسلقه وان اسعفه احدهم حظه وتسلقه سيجد الاولاد مجتمعين بانتظاره والعصي بأيديهم ينهالون عليه ضربا مبرحا لا يستفيق منه الا وفرقة الاطباء فوق راسه يحالون لملمة جرحه .

 

فحاول بعض الحاقدين الالتفاف حول صاحب هذا البيت فوجدوا ثغرة في اخوته الصغار الذين انبهروا بمشاهدة الافلام والمسرحيات لحين بزوغ الفجر وتحالفــــوا معـــــهم على يكونوا سندا وعونا لهم لاسترجاع حقوقهم من اخيهم الاكبر وكان لهم ما ارادوا بعد الاستعانة ببعض خدمة وعمال بيت صاحبنا .

 

هنا بدأ جمع الاولاد يتشتت وقوتهم تحولت الى ضعف وارضهم اصبحت اراضي وكلمتهم كلمات وصوتهم لا يتجاوز الا ومدى سمعهم ، ووالدهم ينظر اليهم والدمع يجري من عينه انهارا والدم من قلبه شريانا ينادي فلا يسمع نداءه احد ويستغيث اولادي وابنائي فتكتم انفاسه وصيحاته .