لقاء العبادي وترامب .. هل هو تصحيح للمسار؟

 

 

في لقاء الدكتور حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء، مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترمب في واشنطن، أشار، في كلمته المقتضبة، الى إن العراق والولايات المتحدة  وقعا على إتفاقية صداقة وتعاون. تسمى رسمياً، ” إتفاقية الإطار الستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية”. هذه الإتفاقية قد سبق لعدة دول في العالم قبل العراق أن وقعتها، على سبيل المثال؛ اليابان، الفلبين، كوريا الجنوبية، ألمانيا. وهذه الدول ، ربما، مرت بعضها بظروف مماثلة، لما مر به العراق. وحققت لشعوبها إنجازات ظهرت، بعد ذلك، للعيان. من ناحية التقدم التكنولوجي، أو الإقتصادي، أو التطور الحضاري، والمجتمعي، بعد ويلات مرت بها من الحروب، ونتائجها المدمرة. وأغلبها أختطت لنفسها طريق البناء، والديمقراطية لاحقة، والحكم الرشيد، ومنهج عالٍ من الشفافية، والمكاشفة الحقيقية، وتطبيق مبادى حقوق الإنسان، وإعمال حكم القانون، وتكافؤ الفرص للمواطنين من أبناء المجتمع. دون تمييز في الدين، أو الطائفة، أو العنصر، أو اللون، أو الطبقة الإجتماعية التي ينحدر منها. تقدمت تلك الدول بخطى سريعة، وحققت معطيات مشهودة لها في العالم، بسبب تعاون فعال، وإنجاز حقيقي.

 

إن وجود هذه الإتفاقية، والهدف منها، وكما معلن، لغرض  تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين العراق والولايات المتحدة في المجالات كافة، ومن أجل إعادة إعمار العراق. وقد صادق عليها العراق وفقاً لقانون عقد المعاهدات لجمهورية العراق، بموجب القانون رقم (52) لسنة 2008. أي إن العراق وفق ما وجده مناسباً له، قد ألزم نفسه، بهذا القانون، واجب التطبيق والتنفيذ، وواجب الإحترام، كبقية القوانين العراقية الأخرى. الطرفان، العراق والولايات المتحدة، مستفيدين من الإتفاقية، ويعتقدان إنها تصب في مصلحتيهما، ولصالح شعبيهما. والعراق، بحاجة، بظرفه الحالي، لمساعدة واسعة من المجتمع الدولي، ودعم قوي من الولايات المتحدة. وما من شك في قدرة الولايات المتحدة، بمساعدته، في المجالات العلمية، والثقافية، والمعرفية، والمعلوماتية، والتكنولوجية، وفِي إمكانياتها الهائلة في قطاعات مختلفة، صناعية، وتجارية، وزراعية، وإنشائية، وغيرها من القطاعات المختلفة، وهي كثيرة، إن كانت هناك رغبة، لدى العراق، ومقدرة ، حقيقيتان في التطبيق.

 

وقعت الإتفاقية، ونفذ منها بنداً، بسرعة البرق. بند سحب القوات. في ظرف يثير كثيراً من الأسئلة. كان على العراق أن لا يتعجل في هذا البند. وأن يعي أن أجهزته الأمنية غير جاهزة لحماية أرضه، ومياهه، وأجوائه. وهو، بعدم الجهوزية هذه، عرضة للإختراق. إضافة للكلف الباهظة للتجهيز، المثيرة للشك، والجدل، في آن. وقد جاء الدليل قاطعاً، ومثيراً، في أول إختبار عملي. عندما ضاعت ثلث أراضيه، بعملية خاطفة، لمجموعات عصابات، غير نظامية، لم تتمكن قواته من أن تردعها، لعدم جهوزية قواته المسلحة، من الناحية الفنية، ولضعف قدرتها القتالية، ومحدودية خبرتها. أي أن أول إختبار، أستدل منه خطأ ذلك الخيار، غير المدروس، الذي كلّف العراق، والعراقيين، كثيراً من الخسائر الجسيمة، في طاقاته المادية، والبشرية. وأظهر عدم دراية، ونقصاً واضحاً في الخبرة، وفِي المسؤولية.تطرق العبادي في لقائه مع ترامب، الى التعاون في المجال العسكري. وأشاد بالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الى العراق في مجال مكافحة الإرهاب، والحرب على داعش. مما حقق النصر في معركة تحرير الموصل. أوجز بإختصار دور الخبراء الأمريكان، ودور الغطاء الجوي الامريكي في دعم القطعات العسكرية، والأمنية، العراقية، في تحقيق النصر على الأرض. وقد أظهر ترامب أهتماماً بالوفد العراقي، وأعلن عن إستعداد الولايات المتحدة في دعم لا محدود للعراق!هنا، نتكلم عن مرحلة جديدة، تكشف عن نفسها، بعد ثماني سنين عجاف من حكم أوباما، الذي أدار، وحزبه الديمقراطي، ظهره للعراق. أو إن العراق، إستسهل الأمور، بسياسة غير حكيمة. في الحقيقة يجب أن نسلم، كواقعيين، أن الولايات المتحدة لم تأت الى العراق في نزهة، أو إنها جمعية خيرية، حتى تهب، ما قد أنجزته، وما صرفته من أموال، وما أهدرت من دماء، في عملية إحتلال العراق، وما نفذت، وتنفذ، من ترتيبات خاصة بالمنطقة، كي تقدمه هدية للأخرين. هذا قصور في النظرة، علينا نحن أن نتدارسه، وندرك حقيقة الأمر، وأن نستخلص أين تكمن مصلحتنا، نحن، لا مصلحة الأخرين. أن وضع العراق، بوجه الخصوص، هو ما يهمنا بالتحديد. وعلى الفريق العراقي، أن يحسن التصرف هذه المرة،  في أن يعرف أين حدود ملعبه، وأن لا يجازف في الإبتعاد كثيراً، عنه، الى الأماكن التي تشكل خطورة عليه. والعراق ما بعد داعش في مرحلة  يكتنفها الغموض، وكثرة اللاعبين. وما يهم العراقيين، أن يجدوا مصلحتهم أين تكمن، فالشعار المناسب في هذه المرحلة، على الأقل، العراق أولاً. أي مرحلة البناء الجاد، وإعادة التعمير، في جميع المرافق المهدمة، لبلد قد إجتاحه إعصار مدمر. وأن يعمل العراق على تنفيذ بنود الاتفاقية مع الولايات المتحدة بفعالية، وبهمة، وبنشاط، بما يخدم مصلحته. وقبل كل هذا، وذاك، تحرك  قوي للقضاء على الفساد، بشكل ناجز،  وهي مهمة لا تقل عن مقاتلة داعش، مستفيدين من هذا الزخم. لكي يكون العراقيون، عند ذلك، قد ووضعواً العراق بلدهم، على الأقل، في مساره الصحيح.