حرب الصورة
لم يرتق اعلامنا العراقي في اغلب ممارسته الى مستوى المهنية في ادارة المبثوثات الاعلامية في سياقاتها الحربية باعتبار ان الاعلام في الوقت الراهن وضمن توجهاته المضادة للارهاب لا بد ان يكتسب صفته الحربية التي تستدعي فهما استثنائيا لمفهوم الاعلام الحربي والتعامل معه بوصفه نظرية من منتجات ما بعد الحداثة والاعلام الامبريالي الذي يراهن على تمثيلات الصورة في الهيمنة والسيطرة على المناطق التي يسعى الى احتوائها ولذلك فان الاعلام يعتبر ستراتيجية في تصورات الوعي الكولونيالي لتتفوق الستراتيجيات الحربية الفعلية ومن هذا المنطلق اتخذ هذا النمط الاعلامي صفة النظرية لما تتضمنه من ابعاد سايكولوجية وايديولوجية وانساق ثقافية وفنية تكرس وعيا زائفا عبر متواليات الصورة وبلاغياتها التي تفوق الكلمة احيانا في الحفر داخل الوعي الجمعي والتأثير فيه.

ان المقصود بعدم الارتقاء الى المهنية في نطاق اعلامنا الوطني يتجسد في النقل الصوري لممارسات داعش والذي يحاول (اي النقل الصوري) ان يظهر الوحشية في سلوكيات داعش وتعريف المجتمع بها لكن الكثير من هذا النقل الصوري يخدم توجهات داعش في سياق خلق فوبيا داعش داخل المجتمع ويمكن ان ندرك ذلك من خلال تبني داعش لهذا التمثيل الصوري وتسويقه وهو ما يؤكد رهان داعش على بلاغة الصورة في ممارساته الاجرامية كما يمكن ان ندرك تفشي هذه الفوبيا داخل المجتمع في الركود الاقتصادي وحركة العمران في بعض جوانبه, فبمجرد سؤال البعض عن عزوفه عن مزاولة بعض الاعمال فان اجابته تأتي بالشكل الآتي: ما الفائدة من ذلك وانت لا تعلم متى سيهاجمك داعش؟ وهذا التصور القاصر سائد حتى مع وجود النصر الوطني الكبير والمتحقق على داعش ومرد هذا التصور القاصر الى التعاطي الاعلامي الوطني وعدم فهمه لتمثيلات الصورة ومنتجاتها الدلالية.
ان اظهار وحشية داعش ضرورة بل واجب اعلامي واخلاقي رغم ان ممارسات داعش هي التي عرفت بتفسها في سياقاتها الوحشية واصبحت هذه الوحشية والهمجية في تمثيلات داعش معروفة للجميع, لكن هذا الاظهار يجب ان يدرك عمليات التسويق وتجنب مخاطر الصورة وادراك مؤثراتها النفسية فاظهار جرائم القتل على هذا النحو المنتشر في مواقع الميدياقد يقترن عند البعض بالخوف من داعش ولا يقترن بالقرف والادانة لهذه الممارسة او قد يفسرها البعض على انهادالة شجاعة وعدم تهيب من ممارسات القتل ولذلك فعلى التوجه الاعلامي ان ينتج صورة ناسخة لهذا التصور تظهر جبن داعش وتفسر عملية القتل بوصفها نتاج جبن وتوحش, فالشجاعة قرينة التسامح والرحمة والجبن قرين التوحش والقتل ببرودة حين يتسنى للقاتل وجود ضحية عاجزة, وهذا المسؤولية في التفسير تقع على عاتق الاعلام في اطار انتاج الصورة الناسخة للصورة التي تفسح مجالا للتأويل وللمتخيلات المغلوطة في الوعي الاجتماعي وهنالك صورة اخرى قد تنتج بلاغيات تغاير المقصديات التي يريدها الاعلام الوطني ولذلك فان هنالك مهاما كبرى تلقى على عاتق الاعلام اهمها تدبر الصورة وفهم طابعها المراوغ ومؤثراتها النفسية وانتاجها للدلالة في سياق يخدم توجهات الاعلام الوطني في حربه على الارهاب.