مدخل ======== الاستخبارات عالم سري في كل مايحيط به , وهو عالم مليء بالاسرار , فالمهمة الاساسية للاستخبارات هي مهمة هتك اسرار , ومن تكون تلك مهمته فانه لايثق بسهولة ويكون دائم الشك والريبة , ويعتقد ان الاخرين يسعون لهتك اسراره كما يفعل . ومن هنا نرى العالم الاستخباري المحترف مليء بالاجراءآت الاحترازية والاخفاء والكتمان والاقفال وكلمة السر وتحقيق الهوية والشفيرة السرية والتواقيع المرموزة وبصمة العين, بل يصل الامر في تحري الامان لحد اقامة واجهات وهمية للعمل الاستخباري . ان تحقيق الهوية وتأكيدها والرموز واللغة المشتركة , هي مجموعة تحوطات تتخذ من قبل الاستخبارات لحماية نفسها وعناصرها ومستنداتها ومصادرها من الخطر والاختراق والسرقة وانتحال الصفة, وتعد بمثابة تسوير للعمل الاستخباري. فرمز الأمان يؤمِّن الجهد والاتصال والارتباط بكل أشكاله , ويستخدم في الجهدين السري والفني وأنواع التواصل المباشر والاتصال الورقي والإلكتروني والصوتي الهاتفي بكل أشكاله , كما يستخدم عند اللقاء مع المصادر وعند تأمين المثابات والمقرات السرية. كان المقصود من تحقيق الهوية , هو التأكد من هوية صاحب الاتصال او صاحب الإيميل أو صاحب المعلومات , ففي الاتصالات العسكرية يوضع رقم او رمز او اسم للتعريف عن المتصل , وعند الشك بوجود دخيل يُطلب منه تحقيق الهوية بأن يجيب اجابة محددة على سؤال محدد (كما هو الحال فيمن يفقد الرمز السري للايميل ), فمثلاً يقال له رقم (10) فعليه ان يرد بكلمة متفق عليها في جدول تدرب عليه مسبقاً كأن تكون كلمة (غيمة) , عندها يطمئن مدير الشبكة او الطرف الثاني من هوية المتصل. ويستخدم تحقيق الهوية أيضا في الشركات والمعامل ومراكز الدولة والمصارف , من خلال تكنلوجيا البصمة , حتى أصبحت العجلات الحديثة تشغل بالبصمة كنوع من الاحتراز وتاكيد الهوية , ومن هنا أصبحت الحياة كلها رموز امان وتحقيق هوية , كما ان التعامل بالرموز ينتج لغة مشتركة داخل الاجهزة الاستخبارية . ان تحوطات العمل الاستخباري تلك ليست مقصورة على الاجهزة الاستخبارية وانما هي ذاتها التي يستخدمها الارهابيون والاحزاب والتنظيمات السرية. ================= تطبيقات رموز الامان ================= ان استخدامات رموز الأمان في الجهد الاستخباري تأتي باشكال واستخدامات متعددة توفر اقصى درجات التفاهم من خلال رموز واشارات تضمن أمان العمل الاستخباري , , ومنها : 1- علامة الأمان الشخصية: عند لقاء المصدر : كأن يأتي المصدر إلى محل اللقاء حاملا بيده شيء مميز كالصحيفة ويقف في المكان المتفق عليه , وفي حال عدم وجود الشيء المميز المتفق عليه فهذا يعني أنه مراقب او معتقل ووضع كمصيدة 2-علامة امان العجلات : حين تأتي العجلة التي تقل المصدر مع ضابط الارتباط إلى مكان اللقاء , تضع فايل بلون معين في مقدمة السيارة بلون محدد او اية علامة متفق عليها على السيارة , ومن تلك العلامة يتم تأكيد الموقف سواء كان اميناً ام لا , 3- علامة البيت الامن : وينطبق ذات الامر على المحطة او البيت السري,حيث يتم الاتفاق على علامة امان وعلامة الخطر كأن تكون اغلاق الستائر يعني الامان وخلافه يعني الخطر. لعل اذكى من استخدم علامة امان الاوكار هو ما كانت تستخدمه منظمة خلق الايرانية المسلحة ضد الجمهورية الإسلامية , فكانت علامة الأمان في بيوتهم السرية هي أن تكون ستائر غرفة الطابق الأعلى المطلة على الشارع مفتوحة مما يعني أن المقر السري آمن , فإذا حدث اقتحام او كمين للمكان , يعمد رجال الأمن الى غلق الستائر حتى يبعدوا أنظار الفضوليين عما يحدث داخل البيت دون ان يدركوا انهم قد ارسلوا رسالة الى من يأتي للوكر ان هنالك خطر فيبتعد ويسلم من القاء القبض عليه. 4- هاتف التأمين : يتم تزويد المصادر برقم هاتف يسمى هاتف التأمين يستخدم للطوارئ فقط يذكر فيها المصدر جملة متفق عليها لتصل رسالة بأنه مطارد او مقبوض عليه او تحت التحقيق او أنه اعترف. 5- تأمين مراسلات الايميل :عند استخدام الإيميل يتم وضع لغة مشتركة ومجموعه من الرموز عند كل إرسال تبين هوية وأمان المرسل , كأن يختم الإيميل بإسم معين فيكون بمعنى (آمن) واسم آخر بمعنى انه في خطر. 6- رسالة الأمان :توضع رسالة على صندوق البريد أو المجيب الآلي تبين للمتلقي المعني بأن الموقف آمن او خطر. 7- يستخدم رمز الأمان في الاتصال الصوتي والرسائل النصية أيضا. 8- تحقيق هوية المتصل :التي سبق شرحها , من خلال اجابة المصدر على رمز تحقيق الهوية التي سبق ان حفظها اثناء التدريب . ان هذه التحوطات هامة لتجنب الخلل والاخطاء بما لاتحمد عقباه لاسيما في أرض العدو , كما انها مفيدة للغاية في حال الانقطاع واعادة الارتباط والتواصل من جديد مع المصدر , او الاضطرار إلى إرسال ضابط ارتباط جديد دون اتفاق مسبق كتعرض الضابط إلى اعتقال او أسر او قتل او حادث. ========================= تحقيق الهوية داخل الاستخبارات ========================= ان تحقيق الهوية مهم جدا داخل الجهاز الاستخباري لحفظ الأمن وداخل مراكز الجمع والأرشيف وتجنب سرقة الملفات وتحديد المستويات المصرح بها . ويعتمد تحقيق او تأكيد الهوية في جميع غرف وأقسام جهاز الاستخبارات, فلا يمكن دخول الأماكن والغرف لغير المخولين بالبصمة الإبهام او العين , كذلك يتم تحديد الوصول للمعلومات والأرشيف والملفات بهذا الأسلوب لتجنب الخرق والتجسس وحصر المسؤولية من خلال المخولين . كما توضع للحاسبات مفاتيح وباسورد ويحدد العاملين عليها, وتوضع غرفة خاصة للاستنساخ تزود بكاميرا وتعمل اجهزة الاستنساخ على البصمة وتقوم بتخزين أية معلومات مستنسخة لمعرفة الشخص الذي قام بالاستنساخ. كما تدقق الاستخبارات في ان تكون طبقات العمل محددة , فكل شخص يعرف مسؤولياته وواجباته ويعرف بشكل دقيق خطوط الفصل بين الواجبات والصلاحيات وخاصة في مركز وعقل الجهاز والفروع الرئيسية لتتجنب اي تداخل او تجسس او إهمال او تسرب او اختراق او تخريب . فكل شيء داخل الجهاز يعمل بنظام تحقيق الهوية كبصمة العين او اليد وايضا بنظام تحقيق الأمان او رمز الأمان, كما ان باج عناصر الاستخبارات اصبح من النوع الذكي لمزيد من تأكيد الهوية وتحقيقها . =========== اللغة المشتركة =========== تتوسع الاستخبارات داخل مؤسساتها في استخدام الاختصارات والارقام والرموز لكل أقسامها ودوائرها داخليا , فمثلا لا يكتب مدير التحليل على مطالعاته وانما يكتفي بعبارة مدير 600 مثلا , وضباط الارتباط أيضا يكتب في ملخص معلوماته مثلا ضابط 22 ويرمز للمصدر برقم ايضا, وهكذا مع باقي الاقسام. اما في المحطات والعمل الميداني , فهناك رقم لكل ضابط ومصدر ومتعاون ومخبر, وهناك رمز المحطة ورمز الشعبة ورمز القسم ورمز المديرية ورمز الضابط ورمز المنظومة ورمز المثابة ورموز أماكن اللقاء ورمز البريد الإلكتروني ورساله الأمان الإلكترونية ورمز تأكيد أن البريد من المصدر وهاتف الأمان ورمز وعلامة الأمان في العجلة ورموز البرقيات ورموز الدوائر ورمز العدو , فحتى العدو يكون له رمز داخل الاستخبارات(مثلا داعش يرمز لها برقم 200 ويرمز للمجرم البغدادي 201 وهكذا) وعندما يثبت رقم المصدر فيجب أن يقوم المصدر باعتماد الرقم فيكتب رسائله بالرقم المحدد , كما ان ضابط الارتباط يذكر الرقم والمحطة تذكر رقم المصدر ومركز التحليل يجب أن يعرف المصدر بالرقم المعني . وهكذا تصبح التقارير والدعم وكل شي في الجهاز لصاحب الرقم , ويصبح رقمه مشتركاً عند الجميع ولا يُعرف بغيره , فيصبح الرقم رمز امانه وهويته ويصبح الحديث عنه ضمن لغة مشتركة بين جميع المعنيين. وتتطور الحالة , فلا يقول أحد مركز التحليل وانما يقولون 60 , ولا يقول أحد مثلا الخدمة الخارجيه وانما يقولون 70, ولا يقول أحد آمن الجهاز بل يقول 80 , ولا يقول أحد رئيس الجهاز الاستخباري بل يقول 10. وهكذا تدخل لغة الأرقام والرموز على جميع مفاصل الجهاز الاستخباري لتتحول إلى لغه مشتركة وتأميناً لكل مفاصل الجهاز, كما هو الحال الذي ينتج بين المخابرين في مراكز الاتصال العسكرية , فهم في بعض الأحيان لا يستخدمون الشيفرة ويتحاورون فيما بينهم بكلام قد لا يفهمه الجميع , مثلا :العيون الزرقاء .. الأمريكان , النسر .. الأمر او القائد , مطر شديد .. قصف شديد , عندك ضيوف .. سوف يهاجمكم العدو, وغيرها من عبارات تنتج اللغة المشتركة . ======================== التحوطات الاستخبارية في العراق ======================== مما يؤسف له ان العراق بلد بلا اسرار وكل شي يطرح في الإعلام , فيذكر في شريط الأخبار بأن الخلية كذا تم القاء القبض عليها من قبل جهاز الاستخبارات كذا, باستخدام الاسماء الصريحة, وعند إظهار متهم او مجرم على شاشة التلفزيون توضع خلفه لافته او لوحة تحمل اسم الجهة الاستخبارية التي قامت بالقاء القبض عليه. كما لا يوجد تأمين او رمز أمان للمخبر والمصدر مما يعرض المصدر للخطر ويؤدي الى عزوفهم عن العمل , فالمصدر يُعرض على القاضي بلا تحفظ وباسمه الصريح , فيكون عرضة للتهديد والقتل وبلا أي شعور بالمسؤولية لدى الجهاز الاستخباري. كما ان عشرات الكتب الرسمية الاستخبارية توقّع وتسرب لتنشر بكل سهولة على أجهزة التواصل الاجتماعي وهي تحمل عنوان كامل للدائرة الاستخبارية بلا رموز او علامات او ارقام , وحتى اختام الاستخبارات متوفرة بصورها على وسائل التواصل , وهي اختام تحمل الاسم الرسمي بلا رموز او ارقام أيضا. كما ان الجميع يكتب في تقارير المعلومات عبارات من قبيل : افادت مصادرنا دون رقم او رمز ,بل ان العبارة بصفة الجمع (مصادرنا) هي عبارة مريبة وغير منطقية , فلا توجد عبارة مخبر في التقارير لأن الاستخبارات لم تنتج لغه مشتركة بينها ولا تعرف تصنيف المخبر من المصدر. اما في الاتصال , فلا يوجد شيء اسمه تحقيق الهوية , فالجميع يستخدم الاتصال المفتوح والحوار المفتوح , مما يؤشر الى ان الاستخبارات غير قادرة ان تأمن سريتها وسرية مصادرها وبالتالي غير قادرة على خرق العدو ولامنعه من خرقها. لقد وصل التسيب في اجهزتنا الاستخبارية الى حد ان ضابطاً يعمل 10 سنوات في الاستخبارات ولم يزود المؤسسة بتقرير واحد , وهذا طبيعي لأن الجهاز نفسه غير محاسب وغير مسؤول ولا أحد يسأل الاستخبارات من اين تحصل على المعلومات وماهي ارقام المصادر والمخبرين وجغرافيا انتشارهم ومستوى انتاجهم وهل توجد ملفات للمصادر. ان مؤشرات معايير السرية في اجهزتنا الاستخبارية مريعة وخطيرة ولابد من ضبطها , لانها ابواب مشرعة بشكل سائب يشكل خطراً هائلا على العمل الامني والعسكري , فبدلا من ان تكون الاستخبارات مصدر معلومات غني لمصادر القرار , تصبح عالة على الدولة والوطن وهو امر خطير جداً. ========= خلاصة ========= المجتمع الاستخباري يعتاش على السرقة والتلصص , سرقة المعلومات والتلصص والتجسس على العدو ,وكما ان السارق لايثق بأحد , فان الجهاز الاستخباري لايثق باحد ويعمد الى ممارسات واجراءآت وفلاتر تضمن له تحوطات كافية لضمان الحفاظ على الاسرار , ومن تلك التحوطات استخدام الرموز والتعود على التخاطب الشفاهي والتحريري والالكتروني بها حتى تصبح لغته التحاورية مرموزة بطبيعتها , كما يعمد الجهاز الاستخباري الى اتخاذ اجراءآت مفرطة لتحقيق الهوية كلما ساور احدهم الشك باي فرد في الجهاز , وبذا تضمن الاجهزة الاستخبارية الحفاظ على اسرار البلاد , والله الموفق.
|