آمال القمة العربية وتحدّياتها

 

علق العرب،حكومات ومجتمعات، أمالاً عريضة على لقاءات زعماء دولهم ، منذ اول قمة عربية عقدت في انشاص بمصر عام 1946 مروراً بـ37 اجتماعاً بينها 22 قمة عادية و9 قمم طارئة و3 اقتصادية ، وتوهموا انه بمستطاع بعض النوايا الطيبة والتنازلات الطفيفة ان تنقل واقعهم المتشظي ووقوعهم تحت الاحتلالات الاجنبية ، نقلة نوعية بحيث تبدو اوطانهم تتمتع بالاستقلال الناجز واوضاعهم الاقتصادية والمعيشية تتحول الى مرحلة البحبوحة والرفاهية، من منطلق ثروات تتمتع بها وكفاءات يتميزون بها في مختلف الحقول والقطاعات.

غير ان معظم المواطنين اصيبوا بالصدمة والاحباط بتقادم الحقب والسنين ، وغمرهم شعور باللاجدوى نتيجة تصاعد التحديات مقابل قلة إمكانيات المعالجة، وكذلك بتحول الصراع مع العدو الاساس الماثل للعيان الى نزاعات ثانوية استنزفت القدرات المادية والبشرية، وعمقت الاحســــاس   بـ(الوحدانية) بدلاً من (الوحدوية). وفي كل قمة من القمم كان العرب يأملون من هذه المؤسسة تجاوز عقبات ما سبقها وتدارك التحديات المرجأة بعمل مشترك وتفهم للظروف وبنسيان الخلافات وتوزيع الثروات توزيعاً عادلاً لتفادي تفاقم الهوة بين اثرياء الامة وفقرائها. ومرة بعد مرة تسقط مؤسسة القمة في امتحان الامال وتزداد ضعفاً واستنزافاً حتى تحولت الى مجرد اجتماعات او لقاءات بروتوكولية هامشية او الى استعراض وعرض مشكلات دون تبني استراتيجيات فعالة. لكن مع ذلك فأن بعض القمم ظلت علامات فارقة اكدت امكانية حدوث الصحوة وقدرة بعض الزعماء على ايقاف التداعي، بالتذكير اساساً بالمستقبل بدلاً من التشبت بالماضي والعزف على آلامه وخلافاته.

يمكن بهذا الشأن تذكر قمة السودان عام 1967 التي نجم عنها اجماع (اللاءات الثلاثة) وقمة الجزائر عام 1973 التي رفعت شعار نفط العرب للعرب ،وقمة بغداد عام 1978 التي اوقفت تداعي زيارة السادات الى القدس ،وقمم عمان 1985و1987 و2001  التي اكدت التضامن العربي بوجه محاولات التمدد الخارجي. فهذه العواصم وسواها احيت الامال من جديد بامكانية تحول العظام الرميم الى حياة عربية نابضة لكنها كانت بحاجة الى عمل مخلص وارادة جامعة غير مفرقة وجدية في اجراء المصالحة العربية.

قمة مرتقبة

ولاشك في ان المسافة بين القمة الاولى والقمة المرتقبة في عمان، طويلة ومرهقة ،لقد تبدلت خلالها احوال وسقطت خلالها انظمة وتراخت خلالها ارادات وتعافت خلالها احوال وسقطت خلالها انظمة وضعفت خلالها مواقف وتفاقمت خلالها اوضاع، لكن ظل التحدي الاكبر قائماً، ويتمثل بضرورة الاقتناع بأن سقف العمل العربي الواحد يمكنه ان يجمع ولا يفرق ويدفع الى الامام ولا يعوق التقدم. ويتمثل ايضاً ببناء مؤسساتي رصين للعمل المشترك ينبثق من استراتيجية  ثقافية تشمل التعليم والبحث العلمي من خلال معالجة الخطاب المتطرف وانسنة الأشياء والتكامل الاقتصادي ومواكبة التسارع الاقتصادي العالمي ، عبر تفادي الاغراق السلعي وتكريس المساواة بين الجنسين في الوظائف ، فضلاً عن تعزيز الاستثمار باغراءات استقطاب رؤوس الأموال ،  وأيضاً بالاستفادة من الثروة الكامنة في الارض ونظيرتها الماثلة فوقها واقصد الانسان.

وأرى أن ابرز التحديات التي تواجه قمة عمان التي ستعقد في المملكة الاردنية الهاشمية في 29  آذار – مارس 2017 تكمن في ثلاثة :

الأول هو حل النزاعات الدموية في سوريا والعراق وليبيا واليمن عبر عمل عربي يقرن الحل الامني بالحلول السياسية ، و ينأى بنفسه عن التجاذبات والاستقطـــــــــابات الدولية برغم صعــــــــــوبة امر كهذا وربما استـــحالة المراهنة عليه.

الثاني هو مواجهة تقلبات اسعار النفط التي انعكست، خلال العام الماضي وربما تستمر عقداً آخر، عبر تفاهمات تجري تحت قبة منظمتي اوابك واوبك واقناع الدول المنتجة الاخرى بأهمية التنسيق من اجل طمأنة سوق الخام العالمي.

الثالث : هو تحدي تداعيات واثار ما سبق ( في اولاً وثانياً)، ذلك ان العرب مقبلون على ولادة اجيال تخضع الى كثير من منطق التطرف والعنف وآثار الفاقة، واذا لم تحسن الحكومات التعامل باستراتيجيات واقعية معها بإعتماد الشفافية مع جيل الالفية الثالثة ، فان مزيداً من التهديدات ستحصل ومزيداً من الامال ستتهاوى وتفقد الامة فرصة جديدة من فرص المراجعة والتدارك ،لايعلم الا الله نتائجها الوخيمة.وبحكم ثقتي برجاحة عقل القيادة الاردنية وعمق حكمتها وواقعيتها في التعامل مع التحديات والضرورات،فأني أعلق ما تبقى من آمالي على قمة عمان الرابعة ، في تسلسل انعقادها التاريخي ، وأرى فيها مشهداً عربياً قابلاً للحوار والمراجعة وتفهم ظروف وموجبات العقود الثلاثة المقبلة. اننا نحتاج ، اولاً واخيراً الى الحكمة والموعظة الحسنة والى تدابير وقائية تستفيد من التجارب التنموية المشرقة لبعض دولنا العربية ونماذجها في الامارات والسعودية وقطر، وتعميم فوائدها وايجابياتها بما يخدم المصالح العربية ،برمتها، ويدفع فاقدي الرجاء والمغرر بهم الى العودة الى رشدهم او صوابهم .