لو أخذت قدحا مملوءً بالماء الرائق الصافي الزلال , وأسقطت فيه قطرة حبر , فأنه سيتلون بلونها , لكنه لا يمكنه أن يكون حبرا , رغم أن لونه بلون قطرة الحبر , وكذلك الإرهاب عبارة عن قطرة يتم إسقاطها في أوعية الشعوب والمجتمعت فتتلون بلونها , وما هي إليها بصلة ولا تمثلها , لكنها صارت بلونها.
ولعبة قطرة الحبر منهج تدميري معاصر يتسبب بدمارات وإبادات بشرية وحضارية خلاقة وفائقة التواصل والتوالي الهندسي الفظيع.
وهذا ما نشهده في مجتمعاتنا العربية التي يتم إلقاء قطرة حبر إرهابية في أوعيتها لكي يتم إتهامها بالإرهاب , فهذه المجاميع المجرمة التي يتم دسها بين ليلة وضحاها في المدن فتصطبغ بصبغتها , تجعل من الحياة جحيما وتدفع بالمجتمع إلى مستعرات وتداعيات لا تنتهي.
ولهذا فالقول أن هناك حالة ما بعد كذا وكذا , إنما هو من الهراء المشين المبين , الذي لا يقنع سخلة عانت من ويلات الإصطباغ بلون قطرة حبرة أصابت مرابعها , ذلك أن القطرات ستتوالى والإصطباغ بالإرهاب وأخواته لن تنتهي , حتى يصبح كل عربي يحمل ذات الصبغة , وكل مسلم عليه أن يثبت براءته أولا من لون القطرة , التي تلطخت بها مدينته أو بلده أو حزبه أو معتقده.
والعرب خصوصا والمسلمون عموما إرتضوا القبول بتلوينهم وفقا لمناهج وسياسات قطرات الحبر التي تلقى عليهم , وهكذا تجدنا اليوم بلا قدرة على الرد والدفاع العزيز , وإنما الجميع في مأزق التخوف والرعب والإنهزام والإندحار وقد دفن رأسه في رمل الويلات والتداعيات , ويحسب أنه سيسلم من التلون بلون القطرة التي ستسقط عليه أينما حلّ.
ومن هنا فأن الواقع العربي والإسلامي لا يبشر بآفاق ذات قيمة إيجابية , وإنما يبدو الأفق العربي مضرجا بالدماء , ومختنقا بالتفاعلات المريرة الكفيلة بهدر جميع الطاقات الظاهرة والكامنة في المجتمع , وأن المسيرة المدمرة للذات والموضوع متواصلة وقد تم تلوينها بما يسوغ الفتك بها , ولا تمتلك القدرات اللازمة لتطهير نفسها من الألوان التي ستكتسبها وتتمحن بها.
تلك محنة كبرى ومنزلق خطير مرير تتداعى فيه الأجيال العربية , وكأنها تسعى بإرادتها إلى الجزر والإنقراض لكي تبيد وتنقرض عن بكرة أبيها , وهي التي تحمل ساطور ثرمها على صخرة البهتان والتضليل , وبإسم الدين الذي تحوّل إلى قبرها الكبير!!
فهل من وعي لحقيقة سياسات قطرة الحبر المفروضة على مجتمع يتخبط في ويلاته , والكواسر تتحوطه متأهبةً للإنقضاض الشديد؟!
|