انفتاحنا على العالم

ان العراق ومنذ ارتدائه لباس الثورية العسكرية (عبد الكريم قاسم)، ومن بعدها الثورية الحزبية (البعثية/ البكر) ثم الثورية الحزبية الشخصية (البعثية/ صدام) والى انتهاء المرحلة بسقوطها تماماً عام 2003، وبدء المرحلة الهلامية غير الواضحة، أو الهجينة التي فيها المساعي الى تحقيق الأهداف وفرض المطالب الثورية سلوكاً، ودعاوى تسويق ديمقراطية قولاً. وخلالها مر العراق بظروف صعبة، لأن الوضع الذي عاشه طوالها أقل ما يقال عنه انه منغلق على العالم خاسراً بإرادته جزءا من هذا العالم. إذ يبتعد عن الغرب مرة، ليقترب من الشرق، ثم يعود الى قسم من الغرب ويبتعد عن آخر محسوب على الغرب. يعود الى العرب والجار ويقترب من البعض ويبتعد من البعض الآخر لحسابات وحجج أغلبها غير منطقية، تُغلف أحياناً بأغلفة حزبية شخصية منحازة. وبسببها خسر العراق كثيراً عندما وُضع من قبل العالم القوي المتصارع على النفوذ في المنطقة بؤرة توتر شبه مستمرة وساحة حروب كلفته جل ثروته، وفرص تقدمه ومعها ملايين القتلى وأكثر منهم مشردين توزعوا على بقاع العالم، وتأخرٌ عن ركب الحضارة والانسانية ما وضعه بلداً في آخر القائمة في نواحي الامن والسعادة والتحضر، وجعله الأول في التخلف والتعاسة والفساد. 
انها الثورية التى بدأها الانقلابيون العسكر، وأكملت الأحزاب مشوارها في لهاث لبناء أسوار تعزل العراق عن العالم، وتبعد أهله عن غيرهم من البشر، فأعادت البلاد الى الوراء مئات السنين، وفتحت ثغرات نفسية في جدار العيش يصعب سدها لعشرات مقبلة من السنين. 
لكن العراق وسط هذا العالم وفي هذا الزمن الذي تحكمه التكنولوجيا ووسائل التواصل والاتصال، لا يمكن عزله بأسوار من طين، ولا يمكن إدارته ثورياً الى الأبد بأية حال من الأحوال، عليه يمكن القول أن الخطوة التي اتخذها السيد العبادي إبان زيارته الى الولايات المتحدة الأميركية في الشهر الجاري واتصالاته وخطابه هناك ولقائه السيد الجبير وزير الخارجية السعودية هي خطوة صحيحة باتجاه كسر العزلة وفتح باب أمل في هذا الجدار العازل الذي أثبتت نتائج العيش عدم صحته. 
لكن خطوة العبادي هذه وفي ظروف ادارة العراق الحالي تحتاج الى دعم الآخرين لها بغية انضاجها ومنحها زخماً يكون قادراً على اخراج المجتمع العراقي من دائرة التفكير الثوري المراهق، ودفعه باتجاه الديمقراطية الحقيقية والنمو الذي منه يمكن أن نعاود العيش مثل غيرنا على هذا الكوكب، نتفهم الغير ويتفهموننا ونساعد من يحتاج لنضمن مساعدتنا. ومع هذا فان علينا الاعتراف أن الخروج من طوق العزلة الثورية والتوجه نحو العالم انفتاحاً وتفاعلاً عملية ليست سهلة، وهي محفوفة بالمخاطر وسيقف بالضد منها سياسيون وأحزاب لاعتبارات أيديولوجية وشخصية... وستنجح وسنحصد نفعها أمناً ورفاهاً عندما يكون أغلبنا طرفاً فيها، نقف خلفها بكل قوانا، لأنها حقاً بداية تستحق الوقوف.