كفوا عن أن تكونوا عرباً

تأتي القمة العربية العادية غداً في الأردن وسط تلاطم الأمواج الذي لم يهدأ في العالم العربي منذ عام 2011. والسؤال الحاضر أبداً: أي دور يمكن لهذه القمة أن تلعبه في تهدئة العواصف وانجلاء رؤية  تكاد تكون معدومة حيال احتمالات التوصل إلى قرارات توقف الحروب الأهلية التي نُكبت بها المنطقة منذ هبوب عاصفة ما يسمى “الربيع 
العربي”.    
الجواب الواقعي، هو أن هذه القمة مثل غيرها من القمم في الأعوام الأخيرة، لن يكون في امكانها أن تقدم سوى الكلام المنمق من دون تخطي ذلك إلى الأفعال، لا بل أن الانقسام الذي يسود منذ عام 2011، سيكون مرشحاً للاستمرار في ظل انتظار نتائج الحروب الدائرة رحاها في العراق وسوريا واليمن وليبيا. أما فلسطين فتلك قضية لم يعد العرب يتذكرون منها سوى ترداد كلام أجوف فيما اسرائيل تبسط بالاستيطان سيطرتها على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية. وشكراً لنيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا والسنغال، لأنها تجرأت على رعاية مشروع قرار في مجلس الأمن في كانون الثاني الماضي يندد بالاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. لم تجرؤ دولة عربية على فعل ذلك!.    
وينشغل العرب عن فلسطين اليوم بما يقولون انه تحديات جديدة تتقدم في الأولوية على قضية فلسطين، وأبرزها “الخطر” الإيراني وكيفية التصدي لدور طهران في المنطقة. ولا تزال أولويات تغيير النظام في سوريا وكسب الحرب في اليمن وتحجيم دور “حزب الله” اللبناني، هي من الأولويات العربية اليوم. ومنذ أن سيطرت دول الخليج العربية على الجامعة العربية تغيرت أولويات هذه الجامعة وباتت تلعب دوراً غير الدور الذي قامت من أجله. ويكفي التذكير بالغطاء الذي قدمته الجامعة لتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011 وما تلا ذلك من تدمير كامل لهذا البلد الذي لا يزال يعاني من حكم الميليشيات المتشددة ومن صراع يومي على الثروة 
النفطية.   
وماذا سيقول العرب غداً امام التدمير الممنهج لليمن الذي عدا عن تدمير بناه التحتية في حرب التحالف العربي، فانه يواجه بحسب تحذيرات الأمم المتحدة خطر مجاعة هي الأقسى التي يعرفها العالم منذ عقود. كل ذلك يجري باسم استعادة “الشرعية” ووضع حد للنفوذ الإيراني.        
وماذا سيقول العرب غداً لسوريا التي لا يزال مقعدها شاغراً منذ 2011 باسم “ثورة” حولت بلداً عربياً محورياً مرتعاً للتكفيريين الذين جيء بهم من جميع أنحاء العالم ليسقطوا دمشق، فإذا بهم يسقطون بلداً بكامله في براثن التوحش ويزيلون الدولة التي كان يشكل جيشها تهديداً فعلياً لإسرائيل، فيما التكفيريون يقومون اليوم بحماية حدود الدولة العبرية ويتلقون الدعم من الجيش الإسرائيلي لأنهم يوجهون بنادقهم نحو الشمال وليس نحو الجنوب ووجهتهم دمشق وليس الجولان، فعن أية “ثورة” يمكن أن يتحدث بعض العرب 
غداً؟ 
ولم تلقَ دعوة وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في وقت سابق من هذا الشهر، إلى ضرورة إعادة سوريا إلى عضوية الجامعة، أية استجابة حتى الآن. علماً بأن الجزائر ومصر وحتى تونس وسلطنة عمان أبدت انفتاحاً ملحوظاً على الحكومة السورية في العامين الأخيرين، لكن لا تزال دول الخليج العربية تعارض عودة سوريا إلى الجامعة وتأمل في أن تحسم الوضع السوري عسكرياً. ولم يكن تحريك جبهات حي جوبر والقابون في خاصرة دمشق في الأيام الأخيرة، سوى محاولة للإيحاء بأن النظام السوري يتداعى وأنه لا بد من البحث عن بديل. ويصب الهجوم على قرى وبلدات في ريف حماة في الاتجاه نفسه لا سيما من أجل إشغال الجيش السوري وضرب خطوط إمداده إلى ريف حلب الشرقي حيث يقاتل ضد “داعش” ويقترب من الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، التي يبدو أن الولايات المتحدة تريد لـ”قوات سوريا الديمقراطية” التي تتلقى الدعم الأميركي أن تكون هي صاحبة اليد العليا في طرد التنظيم الارهابي من 
الرقة.       
وماذا سيقول العرب غداً أمام المنعطف الجديد الذي ستدخل فيه المنطقة في ضوء اقتراب العراق من حسم معركة الموصل وإلحاق الهزيمة العسكرية بـ”داعش”، وما هو الدور الذي يمكن للعرب أن يلعبوه في تحصين العراق ضد الإرهاب والكف عن توظيف هذه الآفة في أدوار باسم التصدي للنفوذ الإيراني أو ترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك على حساب الطرف 
الآخر.     
وهل بات بعض العرب مقتنعين بأن الإرهاب يهدد الجميع ولن يبقى محصوراً في سوريا والعراق، لا سيما أن شوارع العواصم الأوروبية تشهد على ذلك، فيما الأردن نفسه كان قبل أشهر شاهداً على ما يمكن للإرهاب فعله متى أتيحت له الفرصة. 
تلك هي الأسئلة الفعلية التي يطلب من القمة العربية الإجابة عليها. لكن لا شيء يشي بتبدل واقع الحال. وستمر قمة الأردن مثلما مر غيرها من القمم منذ تأسيس الجامعة وحتى الآن.