الذي يستحق أن يكون صاحب أمر وقرار عليه أن يكون قارئا جيدا وعارفا حصيفا , وهذا قانون قيادي معروف منذ الأزل , فقادة الدنيا يقرؤون , وقادة العرب في جميع العصور يقرؤون , ولهم مجالس ومحاورات مع العلماء في زمانهم , ولهذا فأن كلماتهم ذات قيمة وخطبهم تزخر بالحِكم والمواعظ الحسنة والآليات السلوكية الصالحة.
وقادة الزمن المعاصر يقرؤون وبعضهم مدمن على القراءة , ومن الذين أدمنوا القراءة الرئيس الصيني الراحل "ماو" , فهو من أكثر قادة الدنيا قراءة , وفي عالمنا العربي يقال أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان قارئا جيدا ويتفاعل مع المثقفين والمفكرين.
ومن الواضح أن القادة الذين أثروا في مسيرة الحياة الوطنية والعالمية كانوا من القراء النشطين , الذين إطّلعوا على تراث مجتمعاتهم وتأريخ الدنيا وتعلموا معاني ومبادئ القيادة من السابقين.
ويُحكى أن جمال عبد الناصر طلب النصيحة من الرئيس ماو فنظر إليه متعجبا , وهو يقول : أتسألني النصيحة وفي تراثكم المعرفي ما يغني عن كل نصح!!
أقول هذا وبين يدي كتاب الأدب الصغير والكبير لإبن المقفع , ولو تكرم مسؤول عربي واحد وقرأه وتمثل ما فيه لأصبح من أحكم القادة , وأكثرهم تأثيرا في صناعة الحياة الوطنية الطيبة , وغيره هناك العديد من روائع الفكر العربي المنير , لكن القادة العرب يتجاهلونها فيبخسون أشياءهم , وإن قرؤوا فأنهم يقرؤون كتاب الأمير لميكافيلي وحسب.
فالمصيبة التي تحل في الواقع العربي أن الذين يتولون أمره لا يقرؤون , ويمعنون بالأمية بأنواعها ويحسبون أنهم يعرفون , ويوهمهم الذين حولهم بأنهم يعرفون , وما هم إلا جهلة أولاد جهلة في أميتهم يعمهون.
فالإناء ينضح بما فيه , وتدلك على جهلهم ومحدودية تفكيرهم ما ينطقونه في خطبهم ولقاءاتهم الصحفية , وما يتسببون به من تداعيات ووويلات وطنية وهدر إقتصادي للموارد والثروات الوطنية.
وأولياء أمر العرب يتحدثون بما هو مخجل ويعجزون عن الإتيان بعبارات ذات قيمة فكرية ومعرفية مؤثرة في صناعة الحياة , ويتمتعون بنضوب معجمي مروع يمنعهم من القدرة على التفكير السليم ووضع أفكارهم في سياق قويم.
قد يقول قائل أن هذا غير صحيح , لكن الواقع الأليم يؤكده , وبمقارنة مع قادة العالم وكيف يتحدثون ويعبرون عن أفكارهم ورؤاهم , يبدو الأمر واضحا وجليا , كالفرق عندما تستمع لرئيس أكبر دولة اليوم ولرئيسها من قبله , وستعرف أن السابق قارئ جيد واللاحق لا يقرأ!!
فهل سيقرأ الحكام العرب لكي يحيا العرب؟!!
|