من أهم المنجزات الحكومية بعد سقوط النظام البائد هو كتابة الدستور العراقي الذي تم التصويت عليه من قبل الشعب في 15 تشرين الأول 2005 من اجل الحفاظ على وحدة البلاد ونشر حالة السلام والوئام بين أطياف شعبه. وهذا يعني حتمية الالتزام بكل ما ورد فيه من قيم وقوانين للحفاظ على هذه الأطياف من الانزلاق في أتون خلافات, إن لم تكن حروبا, مما تسبب تمزيق وحدة البلاد والأفراد على حد سواء. يعتبر الدستور في أي بلد من بلدان العالم بمثابة الحصن للبلاد وخارطة الطريق إلى الحرية والمرجع الفقهي لرسم سياسة البلاد في الحاضر والمستقبل, وكلمة " الفقهي " تعني التفسير الذي يرتبط بالمبادئ الإسلامية والإنسانية والثقافة العامة والتقاليد لعموم أطيافه المكونة للمنظومات الاجتماعية المشتركة ومن دون أي تمييز. وهذا يعني أن البرلمان في بلادنا هي الجهة الوحيدة التي تقوم بتشريع القوانين اللازمة والتصويت عليها بالإجماع لصالح الشعب برعاية الحكومة الاتحادية من دون تجاهل أو تهميش لأي شريحة منه. مما ورد يتبين أن الدستور هو درس في الأخلاق ينبغي استيعابه من قبل الجميع وليس إغماض العيون أو صم الآذان عنه أو الاستخفاف به . ومن حق البعض الالتفاف على البعض من قوانينه كما يفعل المحامون ولكن لا ينبغي لأحد أن ينتهك قيمه أو قوانينه.أليس كذلك ؟! لكن يبدو أن البعض ممن أثقل هميانه ( = حزامه ) بالفشك ( = الرصاص ) والأسلحة الخفيفة والثقيلة حتى كرهته ثيابه وتهرأت جراء ذلك , توهم أن عظمته تكمن بأسلحته فأتاح لنفسه أن يغامر كداعش الذي شبّه أراضي البلاد التي أغتصبها بالتعاون مع بعض العملاء ب " دولة الخلافة ", مثلا , لتحقيق أهدافه المنحرفة التي يراها سامية من دون اللجوء إلى تبني أي ميدان من ميادين العمل السياسي لتحقيق أحلامه . فولدت دولته زائفة من حيث الشكل وإرهابية من حيث المضمون , زائفة لأنها بعيدة عن قيم الإسلام الحنيف وإرهابية لأنها ذات سلوك إجرامي في تحقيق الأهداف . والمثل يقول : " القوي من ينأى عن استعمال القوة ضد الآخر " . ألا يبدو أن أي عمل يشبه عمل داعش هو عمل إرهابي وأحمق ويؤدي إلى إنشاء كيانات زائفة ؟! أليس من العدل اللجوء إلى عكس ذلك بدلا عن الابتعاد عما أقرّه الشعب وفتح جبهات للخلافات مع أقلياته ؟! وذلك بإتباع الطرق التي تعبر عن القيم الإنسانية والأخلاقية والالتزام بالقوانين لتحقيق الأهداف السامية. أليس الأفضل لمثل هؤلاء المغامرين أن يفتحوا أسواقا لإنعاش اقتصادهم والتخفيف من عبء التسليح والتجهيز والانشغال بحروب مستقبلية والحفاظ على ثيابهم الثمينة من التمزيق, بل ونبذ الاعتماد على المساعدات الأجنبية التي دفعت الشعوب , جراء ذلك , إلى دفع أثمانا باهظة بسبب اقتيادها إلى تلك الممارسات فنجم فضلا عن ذلك تنازلات على حساب الأرض والسيادة . ثم بلغ الأمر بحكامها الحمقى ليصبحوا أدوات تتناسل في منطقة الشرق الأوسط برعاية أمريكا التي تشجعهم على الانفراد بالدول الضعيفة لتنفيذ مؤامراتها من أجل خلق كيانات متشددة تابعة لها وبعيدة عن نفوذ أو تمدد روسيا وإيران , كما يقال في هذه الأيام , وهي اللازمة المتكررة في قصيدة المارقين وصانعي الإرهاب والحجة الكبرى لتنفيذ مآربهم المريضة . ثم تبوأ هؤلاء الحكام أرفع مراتب العمالة والذل ومن ثم السقوط في مزبلة التاريخ كما يقول المثل ؟! أم ترى أنهم يرون غير ذلك ؟! الأمثلة كثيرة على هذا النوع من الحكام الذين تبنوا الحرب بالنيابة عن أمريكا في سوريا والعراق واليمن وليبيا لأنهم جذور أولئك الحكام " الأدوات " الذين أنشئوا دولا خالصة الولاء لها بفضل انتهاك دساتير بلدانهم والتآمر على الشرعية ومازال البعض منهم سادر في عمالته لخلق الحجج للتدخل العسكري لهذه الدولة الضالة . إذن الحياة تحت مظلة الدستور يشبه بجلوس الفلاحين , بعد عناء النهار , في صفاء ووئام تحت مظلة واحدة وفي بستان واحد وفسيح, تحيطه الجبال والسهول وتزينه النخيل والزهور وترويه أنهار من ماء فرات . وهو الأفضل للجميع لبناء شراكة وتحالفات , بعيدا عن الاستحواذ بدافع المصالح الضيّقة , مع من يحترم قيمه بدلا من التحارب وخلق الأزمات الأزلية وصناعة الرعب والهلوسة وصياح الأنداد. فهو الحارس ويستحق من الجميع احترامه وليس القفز من فوق جدرانه التي يراها صنف من المتشبهين وعميان التأريخ واهنة فيتجاهلونها ليسرقوا إخوة لهم في غمرة البلاء وقسوة المحن من دون أن يلجئوا إلى إصلاحها للحفاظ على حقوقهم من الضياع . ترى هل يفقه ممن ينطبق مقالنا عليه أن الدستور هو , حقا , درس في الأخلاق يفهمه وينجح فيه التلاميذ النجباء ويفشل فيه التلاميذ الأغبياء؟!
|