لمصلحة من أيها القضاء الواقف ؟

 

مارستُ العملَ المهني والنقابي اكثر من خمسين عاماً حتى الاحتلال الأنكلو – أمريكي للعراق عام 2003 ولم أجد بين المعلمين والحقوقيين والمهندسين والمحامين في ذلك الوقت من يسيء لأحد أعضاء نقابته أو لأحد أعضاء النقابات الأخرى رغم الاختلافات العقائدية والخلافات السياسية الحادة حتى في يوم الانتخابات أو في مكان صناديق الاقتراع  ، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلُ على الوعي المهني والالتزام النقابي والتقيد بسلوك واجبات المهنة وتقاليدها  ، وهذا ما نصت عليه قوانين تلك النقابات ومنها نقابة المحامين في المادة التاسعة والثلاثين من قانون المحاماة رقم (  (173لسنة 1965 وتعديلاته .

هيئة النقابة

وقد أدى هذا الالتزام  المهني التربوي الحفاظ الى هيبة النقابة ومكانة أعضائها الاجتماعية بدءا من القواعد الدنيا لأعلى القيادات العليا  ، بخلاف ما حصل بعد الاحتلال الأنكلو – أمريكي للعراق من مخالفات حذَّر منها قانون المحاماة في المواد ( 41  ، 42  ، 44  ،  (45  ، 46  ، 50   التي أساءت لشرف المهنة  والاستقامة والنزاهة في العمل المهني .

ومما ساعد على تراكم هذه المخالفات وتجاوزها دون  حساب أو عقاب ظاهرةُ شيوع الفساد الإداري والمالي والنقابي العام  وهذا أدى إلى انتعاش ظاهرة (شخصنة ) النقابة والتمسك بها خلافاً للأعراف والتقاليد المهنية من ناحية وتحول بعض النقابيين إلى أبواق إعلامية  مؤيدة لهذا الشخص أو معارضة  لذاك من ناحية أخرى . أو الطعن بعضهم ببعض من الناحية الثالثة . وقد امتدت هذه الممارسات السلبية لأغلب النقابات خاصةً ذات الكثافة العددية  ، حتى تحولت  ، مع الأسف الشديد  ، هذه النقابات المناضلة من أدوات لإسقاط أنظمة الحكم الدكتاتورية إلى وسائل  رخيصة لإسقاط الأشخاص دون أن يكون هناك سببٌ مهني أو مبررٌ قانوني يخالف تعليمات هذه النقابة أو تلك سوى السعي  لحصول الامتيازات الشخصية والرغبات القيادية والمصلحة الذاتية  التي تدرها ماليةُ هذه النقابات على حساب  الرسالة المهنية المقدسة وحقوق أعضائها الاجتماعية والتقاعدية والأقتصادية  ، وهذا ما حذرته قوانين تلك النقابات ومنها نقابةُ المحامين في الباب الثامن ( السلطة التأديبية ) من القانون المذكور  ، إلاّ ان  ذلك لم يُجدِ نفعاً بل امتدت  هذه الممارسات لفروع النقابات في المحافظات الأخرى .

ولو تساءلنا لماذا هذا الإنحدار السلبي الضار بهيبة هذه النقابات وسمعة أعضائها لوجدنا الأسباب هي :

-1 إن هناك بعض أعضاء القيادات النقابية لم تمارس العمل المهني والنقابي وإنما يعود انحدارها إلى الجذور الوظيفية والتجارية فلم يمارس المهنة أو العمل النقابي  ، وهذا ما يخالف  قوانين تلك النقابات ومنها نقابة المحامين حيث نص الفصل الثاني من الباب السابع في بعض مواده على ضوابط العمل في الهيئة العامة ومجلس النقابة  ، إلاّ أنه مع الأسف الشديد  وأضيفت بعض الاختصاصات الجديدة التي لم ينص عليها قانون المحاماة حتى تقلصت الصلاحيات وسابت حقوق المحامين بين أهواء الهيئة ومجلس النقابة وغرف الانتداب الأخرى .

وقد أدى هذا إلى تفكك أعضاء الهيئة العامة وانقسامها بين مؤيد لهذا أو معارض لذاك  ، حتى امتد هذا التفكك إلى تمزق مجلس النقابة بين أقلية تحكم وأكثرية محكومة ولا ندري لمصلحة من هذا التشتت والتفكك والتمزق لوحدة النقابة ومجلسها ؟

– 2 إن تولي مسؤولية قيادة هذه المنظمات المهنية التي ولدت مستقلة وناضلت مستقلة  ، واستمرت مستقلة  ، كانت قائمة على أساسين  ، الأول الانتماء الوطني للشعب والأمة  ، والثاني الانتساب  المهني النقابي الشخصي للنقابة  ،  بعيدةً عن الولاءات الفردية والجماعية لهذه الفئة أو تلك  ، السببُ الذي أدى إلى الحفاظ على أصالتها المهنية وسمعتها النقابية  ومنها نقابةُ المحامين التي حددت شروط الانتساب إليها وممارستها في الباب الأول من القانون رقم     (173 ) لسنة 1965 وتعديلاته .

إلاّ أنه مع الأسف الشديد لم تلتزم  تلك النقابات ومنها نقابةُ المحامين بشروط وضوابط القوانين ، حتى تحولت إلى تابع لهذه الفئة أو ذلك الكيان  ، وأصبحت دواوين حكومية أو كارتلات فئوية  ، أو تجمعات عائلية  ، أو عشائرية  ، السببُ الذي اطلق على نقابة المحامين (العراقية) إلى نقابة المحامين (الأهلية ) مما أساء لتاريخ النقابة ورصانتها ووجودها في مثل هذه الظروف التي تتطلب من القضاء  الواقف للدفاع عن نزاهة المهنة والالتزام بشرفها  والاستقامة  والأمانة في التعامل مع أبناء الشعب داخل القضاء وخارجه .

– 3 إن الحرمان الذي يشعرُ به بعضُ الأعضاء الذين تولوا المسؤولية في هذه النقابات صدفة أو التزاماً أو فرضاً جعلهم يشعرون بظروف حياتية جديدة غريبة حققت لهم الممنوعات القديمة فعملوا على توسيعها والدفاع عنها بأية وسيلة مشروعة أو غير مشروعة من أجل الحفاظ على هذه الامتيازات التي لم يحلم بها في يوم من الأيام السببُ الذي دفعه للسعي من أجل عدم فقدانها حتى عمل على تثبيت وجوده لكي يتمركز ثم يتحول إلى دكتاتور نقابي صغير  ، يحدد راتب هذه ويعين هذا ويفصل تلك داخل النقابة أو خارجها  ، ويحدد هذا الوفد لزيارة هذا القطر العربي  ويشكل هذا الوفد لزيارة ذلك القطر الأجنبي حاملاً كل منهم ( حصته ) من مالية النقابة ليصرفها  على ملذاته الشخصية ومنافعه الذاتية دون الاكتراث للممنوعات المالية التي نصت عليها قوانين  تلك النقابات ومنها نقابةُ المحامين التي حددت في قانونها مواردها المالية وجهات الصرف وامره  ، إلاّ أنه مع الأسف الشديد لم تلتزم النقابة بما نص عليه الباب التاسع ( مالية النقابة ) بمواده الخمسة .فلماذا هدرُ الأموال في غير مكانها  ، ثم لماذا لا يطعن زيدٌ بعمرو في ذلك الوقت ؟ وهذه التجاوزات لازمت العمل النقابي  ، ليس في نقابة المحامين فقط  ، بل في أكثر النقابات ذات المصادر المتعددة لماليتها ؟

– 4خروج بعض النقابات عن أهدافها الأساسية وأداء رسالتها المهنية وذلك من خلال بعض الممارسات الغريبة التي لا علاقة لها بالمهنة  ، بل أرهقتها المصروفات على تلك الممارسات كتشكيل الفرق الرياضية  ، وتخصيص الرواتب الهامشية  ، في حين تغلق مؤسسات النقابة وتلغي النوادي النقابية الثقافية و قاعات المناسبات الوطنية والاجتماعية  ،  ولم تفكر يوماً بحقوق أعضائها ومساعدتهم في تأسيس الجمعيات التعاونية والاستهلاكية والسكنية  ، أو إنشاء المؤسسات التربوية والصحية كرياض الأطفال والمدارس والمستشفيات الخاصة بهذه  النقابة أو تلك  ، أو إرسال أعضائها المرضى للتداوي  والعلاج خارج القطر .

مظاهر سلبية

وقد شاعت هذه المظاهر السلبية في أكثر النقابات المهمة ومنها نقابة المحامين التي تميزت بهذه السلبيات دون مراعاة ظروف المحامين وصيانة حقوقهم وعدم إرهاقهم بالتكاليف والرسوم خلافاً لما ورد في الفصل الأول ( في حقوق المحامين ) من الباب الرابع من قانون المحاماة المعدل المذكور سابقاً .وهذا  أدى إلى إصابة بعض النقابات بالخمول المهني  والشلل النقابي  والإرهاق المالي الذي دفعها لزيادة الرسوم والغرامات وبدل الانتساب والاشتراك السنوي والتجديد الدوري وطلب المنح والمساعدات من الدولة  .

-5ومن أسباب فشل العمل المهني والنقابي بشكل عام  ، وخاصةً في نقابة المحامين بعد الاحتلال  الأنكلو – امريكي للعراق  ، عدم التجانس بين قيادات هذه النقابات وقواعدها أولاً وبين أعضاء مجالسها النقابية ثانياً  ، من حيث الخبرة المهنية والثقافة النقابية  ، واختلاف الطموحات والرغبات الشخصية  .  والحقد الدفين الموجود في حركة وممارسات بعض الأعضاء ضد البعض الآخر . ومحاولات ( المؤامرة ) لازاحة زيد من هذا المنصب ليتولى عمرو المنصب بدلاً منه. لذلك تسعى هذه النقابات ومجالسها  ، ومنها نقابة المحامين  ، إلى :

أ – ترك الحبل على غارب ممارسات النقباء ليمارسوا ما يحلو لهم من ممارسات شتى حتى لو كانت مخالفة للقوانين  والمبادئ الأخلاقية من أجل تشويه قيادته وسمعته ثم الإيقاع به في الوقت المناسب .

ب – محاولة تجميع الأخطاء والممارسات السلبية ضد بعض أعضاء المجالس النقابية لتفجيرها في الوقت المناسب من جهة وتصيد الأخطاء  ، حتى ولو كانت بسيطة  ، و تفجيرها ضد بعضهم  البعض من جهة أخرى والسبب في ذلك  يعود إلى عدم انسيابية الاجتماعات العادية وغير العادية لمعالجة هذه الأخطاء و تلك الممارسات السبب الذي يؤدي إلى تراكمها وعجز المسؤولين عن حلها مما جعل هذه النقابات  ، ومنها نقابةُ المحامين  ، تثير السلبيات القديمة التي حدثت في السنوات القديمة.

والسؤال من هو المسؤول ؟

والجواب المسؤولية جماعية وعلى المؤتمرات والهيئات العامة محاسبة الجميع دون استثناء  لما لحق النقابات من الضرر المعنوي  وما لحق الأعضاء من ضرر معنوي ومادي . فهل تستطيع هذه المؤتمرات تحقيق ذلك ؟ وإلاّ سوف يسير الأمرُ من سيءٍ إلى أسوأ فالأسوأ .

وهذا ما نصّت عليه قوانين تلك النقابات في صلاحيات المؤتمرات والهيئات العامة والمجالس النقابية  ، ومنها نقابةُ المحامين التي تناولت هذه الآلية في الفصل الأول ( الهيئة العامة ) والفصل الثاني  ( مجلس النقابة ) والفصل الثالث ( الانتخابات ) من الباب السابع الذي كان من المفروض أن ينص هذا القانون في نفس الباب على فصل رابع يسميه القانون الفصل الرابع ( المؤتمر العام ) وهذا ما أغفله قانون المحاماة رقم   (173 ) لسنة 1965 وتعديلاته .

– 2 عدم الالتفات للشائعات والأقوال التي تدور في الشوارع  ، سواء كانت واقعية أم غير واقعية  والتي تتعلق بممارسات الأعضاء والنشاطات  النقابية لغرض تحجيمها ومعرفة أهدافها قبل أن تتوسع لاتخاذ الإجراءات النقابية لحلها  ، وهذا ما لم نجده في أغلب النقابات مع الأسف الشديد . ولو تساءلنا لماذا ؟لكان الجواب  ، وهذا ما لاحظته  ، عندما تحين ساعات الانفجار لتفجيرها بوجه الخصوم  من أجل المصالح الشخصية والمنافع والامتيازات النقابية .ولغرض إعادة هيبة النقابات ومكانتها الاجتماعية بين الأوساط الشعبية  ، ومنها نقابة المحامين  المناضلة التي فقدت مع الأسف الشديد  ، بريق نضالها أقترحُ ما يلي :

-1 العمل الوطني الجاد بموجب قوانين هذه النقابات والأسباب الموجبة لتشريعها القائمة على مراعاة ظروف أعضائها  لتواكب التطورات الاجتماعية والاقتصادية والنقابية وصيانة حقوقهم  وعدم إرهاقهم بالتكاليف الثقيلة التي لا علاقة لها بالعمل النقابي من قريب أو بعيد .

– 2 الالتزام بالسلوك المهني والتقيد بمبادئ شرف المهنة النقابية  ، والاستقامة والنزاهة والأمانة والإخلاص في العلاقات الاجتماعية والنقابية وبما تفرضه قوانين هذه النقابات من أساليب تأديبية وعقابية مهما كانت المخالفات كبـيرة أو صغيرة.

وهذا ما نص عليه قانون المحاماة المرقم (  (173لسنة (1965)المعدل في الباب الثامن   (السلطة التأديبية ) منه والذي جمـّدَّت أحكامه مع الأسف الشديد.والتأكيد على إيقاف  وممارسة وسائل التشهير بين كوادر النقابات ( السَلَف ) ومن يتولى من الكوادر الجديدة أو الباقية ( الخَلَف ) لأنهم  مساهمون في ارتكاب الأخطاء وسكوتهم  عن إيقافها حجة وبيان ورضا وقبول  في ممارسة وتنفيذ هذه النشاطات السلبية  التي ألحقت الأضرار المادية والمعنوية لأغلب النقابات ومنها نقابةُ المحامين  ، بحيث أدت إلى تمزيق وحدة النقابات .

ظروف خلافية

وهذه الوحدة التي لا يمكن أن تتحقق في ظروف خلافية شديدة إلاّ إذا غلب العقلُ وسائل النقل التي تشوه الحقائق وتحيلها إلى نقاط سود في مسيرة النقابات. لذلك على الجميع نسيان الخلافات والسعي للتعايش المهني الأخوي بين القيادات السَلَف والخَلَف لأن ذلك يؤدي إلى تقوية وحدة النقابة وإعادة مركزها القوي بين الأوساط الشعبية والحكومية .

 -3التفكيرُ الجدي في تطوير الزخم الجديد من خريجي الجامعات الأهلية وخاصة ذلك الزخم الكبير الذي واجه نقابة المحامين من الكليات الأهلية الذي لا يمكن علاجه إلاّ من خلال تشريع جديد يتماشى والظروف الحاضرة  ،  حتى أطلق على نقابة المحامين (العراقية ) نقابة المحامين ( الأهلية) وذلك بحذف اسمها التاريخي النضالي القديم ( العراقية ) .

وهنا أود أن أن أبين إننا لا نريد أن نقلل من قدرة هذا الزخم الشبابي الكبير بقدر مطالبتنا لنقابة المحامين الحالية بوضع ضوابط جديدة في التمرين على أعمال المحاماة الواردة في الباب الثالث من قانون المحاماة الحالي .

وقد تناولت هذه الضوابط في وثيقة نشرت في جريدة الزمان الغراء وسُلمت نسخة منها إلى المؤتمر العام للنقابة الذي انعقد عام  2016 كما سلمت نسخة منها باليد إلى السيد النقيب ووكيله وأمين سره  ، ولكن دون جدوى أو أي اهتمام من أحد  ، مع الأسف الشديد .

وختاماً ليسكت الجميع  ، ومنهم ما تبقى من مجلس النقابة الحالي  ، وما  تبعهم من في غرف الانتداب في المحافظات  ، الذين أغدقت عليهم النقابة من السفر  والرحلات لخارج القطر ،  وما تلقوه من السلف  والمنح والمساعدات والهدايا  ، التي أسكتتهم عن مواجــــــــــهة الأخطاء وتصحيح  مسيرة النقابة …أسكتوا  عن إثارة المشاكل والفتن وأعيدوا لنقابتنا المناضلة  هيبتها وموقعها الوطني والقومي والدولي داخل العراق وخارجه .  واعدُ الجميع ببحث آخر موثق بالصور والرسائل تتناول السلبيات التي واجهت النقابة منذ الاحتلال حتى نهاية عام 2016.