العالم قبل نصف قرن

 

هل كان البير كامو صاحب (الغريب )محقاً حين قال قبل نصف قرن من الزمان (أن هذا العالم بحالته التي هو عليها لايطاق ) وقبل نصف قرن من الزمان كان العالم قد خرج تواً من اتون حرب عالمية اتت على اليابس والاخضر , وهو كفرنسي ايام ما كانت فرنسا تحتل بلداناً كثيرة وتستعمرها وتأخذ خيراتها لكي يبقى ابناؤها جوعى واطفالها عراة وارضها مستباحة وحقولها تنتج للغرباء .

 

انه اذن عالم لايطاق بالنسبة لكاتب كبير مثل كامو يطمح الى حرية الفرد وخلاصة من الطغيان واثبات انسانيته المتفردة والعطشى الى حاضر امثل ومستقبل افضل . ولكن ماذا يمكن للروائي والشاعر والمسرحي ان يفعل فهو غير مسؤول عن رسم سياسة الاستعباد وغير مسؤول عن موت الآلاف من العوز والفاقة والجوع وغير مسؤول عن توجيه راجمات الصواريخ الى الدور والمنازل حيث يسقط الابرياء صرعى وهم غافلون .

 

الآن , نستعيد الكلام مجدداً والحكاية ذاتها .الآن نجدد مقولة البيركامو على واقعنا الراهن وعلى عالمنا الحاضر فهل هو مما نستطيع ان نطيقه ونحن نرى ما نرى , حتى لكأننا نتمنى لو ولدنا فاقدين للبصر لكي لا نرى مما يحدث امامنا ويخدش ابصارنا وقلوبنا وعقولنا بل ويمحق انسانيتنا وضمائرنا . زوارق الموت تقذف بركابها الى البحار الهائجة طعاماً للحيتان واسماك القرش واطفال موتى على الشواطئ الرملية المعدة للاستحمام ! وخيام لا تقي من برد ولا من حر يعيش فيها الملايين من النازحين وشباب يتركون اوطانهم التي هي بأمس الحاجة اليهم وهم الشباب القادرون على العمل والانتاج باحثين عن اوطان بديلة لاتمت الى ذاكرتهم وتواريخهم بأية صلة . تاركين اهاليهم ومدنهم خاوية لا حياة فيها بحثاً عن امن مفقود .

 

عد الينا مرة اخر يا البير كامو لنجدد معك رؤيتك تلك , اذا كان باستطاعتك ان تعود , فالعالم لم يعد يطاق , نعم عالمنا نحن الذي لم نستطع ان نتكفل به ونجعل منه عالماً لأحلامنا ومستقبلنا وفضاءاتنا الجميلة التي صارت موطناً للغربان والخفافيش .

 

لقد ولى ذلك النوع من الاستعمار الذي تعرفه , وحل محله نوع آخر من الاستعمار الذي خرّب العقول والضمائر , نوع يبيح للانسان ان يسبي نساء الآخرين ويكفّر الانسان اخاه الانسان ويقتله اذا ظفر به في زاوية معتمة , تحت حجج واهية ظلامية سوداوية لا نور فيها ولا بصيص ضوء