بعد أربعة عشر عاماً على الغزو -العراق على مفترق طرق |
أربعة عشر عاماً مرت على الغزو الأمريكي للعراق الذي قادته امريكا وبريطانيا ومعهما دول أوربية وأخرى عربية في أكبر تحالف عسكري بعد الحرب العالمية الثانية واستخدمت فيه أحدث الأسلحة والمعدات وتكنولوجيا الحرب الحديثة ضد بلد كان قد أنهكه الحصار والعقوبات الدولية ثلاثة عشر عاماً قبل هذا الغزو ولا يملك من الأسلحة والمعدات الحديثة إلا أسلحة ثمانينات القرن الماضي ، فكانت المواجهة غير المتكافئة من جميع النواحي وهكذا خطط لها أن تكون ليكون التدمير كبيراً والحسم سريعاً ورغم المعارضة الكبيرة لهذه الحرب سواء من المنظمات الدولية أو من شعوب العالم وحتى من داخل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا القطبين الرئيسيين في هذه الحرب لكن الحرب وقعت والغزو حصل لان أهداف هذا الغزو كانت فوق كل اعتبار وكان قد خطط لها منذ سبعينيات القرن الماضي وأهمها تدمير العراق وقدراته العسكرية والاقتصادية والمالية والعلمية والصناعية والزراعية والاهم قدراته البشرية الخلاقة لضمان أمن إسرائيل ومصالح أمريكا والغرب في المنطقة بعد أن أصبح العراق يشكل الخطرالأكبر على أمن إسرائيل لما يمتلكه من مقومات القوة والنهوض والتطور المتمثلة بالأموال الطائلة والثروة النفطية الكبيرة عصب الاقتصاد العالمي مضافاً إليها القدرات العسكرية الكبيرة والمتطورة والخبرة والتجربة الكبيرة التي حصل عليه بعد الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثمان سنوات وخرج منها منتصراً وبقدرات عسكرية مضافة بالإضافة الى القدرات العلمية والصناعية والزراعية والفنية والإمكانات البشرية الأكاديمية والعلمية المتطورة والتي إذا ما أتيح المجال لاستثمارها فإنها ستحدث انقلاباً في موازين القوة في منطقة الشرق الأوسط وهكذا كانت أهداف الغزو الحقيقية وغير التي أعلنتها الإدارة الأمريكية في حينها وثبت بطلانها لاحقاً وهي امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والقضاء على نظام الحكم فيه والذي بات يشكل خطراً على السلم العالمي فأهداف الغزو التي حددها اللوبي الصهيوني_ الأمريكي منذ وقت طويل قبل الغزو هي تدمير قدرات العراق العسكرية والصناعية والعلمية وبناها التحتية وتدمير العقل العراقي الخلاق والقدرات العلمية والأكاديمية المتنامية ، فالقدرات العسكرية تم تدميرها بالحملة العسكرية التي سبقت الغزو بأشهر من خلال القصف اليومي المتواصل للطائرات الحديثة والصواريخ الموجهة وكذلك خلال عملية الغزو حيث زادت كثافة القصف فتم تدمير أغلب قدرات العراق العسكرية وصناعته العسكرية ومنشآته الصناعية والبحثية والعلمية وشملت العملية كذلك تدمير قدرات العراق الاقتصادية ومنشآته النفطية والصناعية والزراعية وكل بناه التحتية ، وبعد إكمال عملية الغزو بدأت عمليات استهداف قدرات العراق البشرية الخلاقة وعقوله العلمية من خلال عمليات اغتيال مخطط لها بعناية شملت الكفاءات العلمية والأكاديمية والفنية والطبية وبالذات علماء الطاقة الذرية والأسلحة البايولوجية والكيماوية وعلماء التصنيع العسكري وفق حملة منظمة قادها الموساد الإسرائيلي وبتعاون بعض دول الجوار بعد الغزو مباشرة في داخل العراق وحتى في الخارج لمن استطاع الهرب من هذه العقول والكفاءات الى دول أوربا والعالم وهكذا تم تحييد العراق وتقليم أضافره وأبعاد الخطر الذي كان يشكله على أمن إسرائيل . ولم تنحصر أهداف الغزو الأمريكي والحرب الكبرى التي قادتها أمريكا في تدمير القدرات العسكرية والصناعية والاقتصادية للعراق حسب بل كانت أهدافه أبعد من ذلك إنها بداية النهاية لما يسمى بالأنظمة العربية المتمردة والتي تسمى محور الشر في الشرق الأوسط والتي لها تأثير كبير حاليا ومستقبليا على أمن إسرائيل ومصالح أمريكا وفي مقدمة هذه الأنظمة ليبيا وسوريا والسودان واليمن وحتى مصر فكانت الصفحة الثانية المكملة لغزو العراق هي ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي فتم تدمير ليبيا والقضاء على نظام الحكم فيها ثم اتجهت رياح الربيع الى مصر وسوريا لكن يقظه الشعب المصري ومن خلفه قواته المسلحة أفشلت المؤامرة التي استهدفت شعب مصر وقواته المسلحة كما كان للموقف الروسي المساند للرئيس السوري الأثر الكبير في إفشال المخطط الأمريكي الصهيوني الخليجي لتدمير سوريا وتقسيمها طائفياً لكن المخطط نجح في تدمير قدرات سوريا العسكرية والاقتصادية حتى باتت لا تشكل أي خطر مستقبلي على أمن إسرائيل وهذا هو المهم وهكذا تم إبعاد خطر أكبر الدول العربية وأكثرها قوة عسكرية وأقربها جغرافياً الى الكيان الصهيوني العراق ومصر وسوريا وحقق بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل حلمه وأهداف إسرائيل ليس في حياته بل بعد مماته بعقود فهو الذي قال ( ان قوة إسرائيل ليس في سلاحها النووي ،قوتنا في تفتيت ثلاث دول عربية كبيرة حولنا هي العراق ومصر وسوريا على أسس دينية وطائفية وهذا الأمر لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على جهل وغباء الطرف الآخر يعني العرب ) وهذا ما عملت عليه إسرائيل وأمريكا سنين طويلة وتحقق بعد عقود من وفاة بن غوريون فهذه هي الأهداف الحقيقية لغزو العراق وتدمير سوريا وإثارة الصراع السياسي والطائفي في مصر وتدمير ليبيا في سمي بالربيع العربي . عملية الغزو وبعد إكمال عملية الغزو واحتلال العراق لم تكتفِ أمريكا بذلك بل بدأت بصفحة أخرى تمثلت في عملية التدمير الممنهج لكل شئ في العراق ومن أولويات هذا التدمير تدمير اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي من خلال إثارة النعرات الطائفية والصراع الطائفي بين مكونات الشعب الواحد واضطلع بهذه المهمة مع القوات الغازية الأحزاب الطائفية التي جاءت مع الأمريكان فاستغلت هذه الأحزاب وأذرعها المسلحة الفراغ الأمني والعسكري بعد الغزو وبعد ان قام الأمريكان بحل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية الأخرى فنفذت أجنداتها الطائفية المدعومة من خارج الحدود من خلال حملة اغتيالات كبيرة ومنظمة وعمليات اعتقالات كبيرة شملت الآلاف من الاكاديمين والعلماء والأطباء والضباط وحتى المثقفين والفنانين ثم عملت هذه الأحزاب بعد ان استولت على السلطة من خلال عملية سياسية مشوهة وعملية انتخابات مستعجلة وغير مدروسة شابها لكثير من التزوير والتلاعب بأصوات الناخبين على إثارة الصراع الطائفي وتبني سياسة الاجتثاث والإقصاء وإبعاد الآخر والتفرد بالسلطة والنفوذ فهيمنت هذه الأحزاب الطائفية على المشهد السياسي والمشهد الأمني في البلد واستولت على كل مفاصل الدولة ووزاراتها ومؤسساتها وعلى الحكومات المحلية في المحافظات وعمت الفوضى كل شئ في هذا الوطن وكثر الفساد وسرقة المال العام ونهبت ثروات الوطن وموازناته الانفجارية لتحول ملياراتها من الدولارات الى حسابات السياسيين في بنوك العالم المختلة وتدنت الخدمات البلدية وانعدم الأعمار والبناء وساءت أوضاع البلد الاقتصادية والمالية والخدمية والصحية والتعليمية والمعيشية وعم الفساد كل مؤسسات لدولة ودوائرها وكانت المحسوبية والمنسوبية حاضرة في كل التعيينات واعتمدت المحاصصة الحزبية والطائفية أساساً في تقاسم المناصب والمكاسب بين الأحزاب والكتل المتنفذة فاستولى الأميون والجهلة والمزورون على المناصب المهمة في الحكومة والدولة وأقصيت الكفاءات الأكاديمية و العلمية والمهنية الخبيرة عن أخذ دورها في خدمة بلدها وشعبها وانتشر الفقر والأمراض وانتشار المخدرات حتى وصلت نسبها الى أرقام مخيفة وفُقد الأمن والأمان وتصاعدت العمليات الإرهابية التي حصدت وتحصد أرواح مئات العراقيين شهرياً بعد أن تسلم الملف الأمني والعسكري قادة ومسوؤلين عسكريين وأمنيين غير مهنيين وغير أكفاء فانحدر البلد الى منزلق خطير وهاوية سحيقة خصوصاً بعد أن ارتكب أشباه السياسيين الفاشلين ممن تولوا زمام القيادة للبلد خيانة عظمى عندما سلموا هم وقاداهم العسكريين والأمنيين الفاسدين والفاشلين الموصل ومحافظات أخرى الى داعش خلال ساعات في هزيمة مذلة ومخزية تسببت في كوارث وماسي كبيرة لأبناء شعبنا تمثلت في نزوح الملايين عن مدنهم في أوضاع إنسانية مأساوية وما ارتكبته داعش من جرائم كبرى بحق أبناء شعبنا على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم ومن ثم بدء معارك تحرير محافظاتنا وممدننا من قبضة داعش التي كلفت العراق خسائر بشرية كبيرة إضافة لصرف الأموال الطائلة لتمويل هذه الحرب والبلد يمر بأزمة مالية نتيجة انخفاض أسعار النفط ناهيك عن الدمار الذي حصل في المحافظات والمناطق المحررة وبناها التحتية التي تحتاج الى مئات المليارات من الدولارات لإعادة أعمارها وتأهيلها . دعوات الاصلاح ولم تفلح دعوات الإصلاح التي نادت بها بعض القوى السياسية وأبناء الشعب الذين عبروا عن دعواتهم هذه من خلال تظاهراتهم واعتصاماتهم التي استمرت طويلاً لكن دون ان تجد الأذن الصاغية لمطالبهم من قبل الأحزاب والكتل المهيمنة على أمور البلاد والعباد والبدء بإجراء الإصلاحات الضرورية على الأقل لإنقاذ البلد من محنته وأزماته المتلاحقة وإنقاذ الشعب من معاناته ، وهكذا ضاع الوطن وسُحق الشعب ولم تكتف أمريكا ومن جاء معها بذلك بل ان أحد أهدافها المهمة من الغزو لم يكتمل بعد فهي تعد العدة لتقسيم العراق أثنياً وطائفياً الى ثلاث دول وهي تعمل جاهدة بمساعدة الخونة والعملاء من أشباه السياسيين لتنفيذ هذا الأمر الخطر وما دعوات بعض السياسيين لإنشاء الأقاليم الطائفية وما دعوات البرزاني وبعض السياسيين الكرد المتكررة للانفصال عن العراق إلا تنفيذ للمخطط الأمريكي الصهيوني لتفتيت العراق طائفياً كما قال بن غوريون في خمسينات القرن الماضي . وبعد أربعة عشر عاماً على الغزو الأمريكي للعراق وتداعياته وإفرازاته المأساوية والكارثية على العراق وشعبه تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة تصحيح أخطاء إدارة بوش التي قامت بغزو العراق دون وجه حق ودون مبررات مقبولة فتسببت في تدمير العراق وتسببت في خسائر بشرية في صفوف الأمريكان بالإضافة الى الخسائر المادية الكبيرة التي كلفت الخزينة الأمريكية مبالغ طائلة وتصحيح الخطأ الذي ارتكبه أوباما عندما سحب القوات الأمريكية من العراق وترك الساحة العراقية خالية وأصبح العراق عرضة للتدخلات الإقليمية فتم تسليم العراق على طبق من ذهب لإيران لكي تملا الفراغ الذي تركته أمريكا وتهيمن على كل أمور البلاد وتسيطر على كل شئ فيه حتى على القرار السياسي والأمني وعلى اقتصاد البلد ، فإدارة ترامب انتبهت لأخطاء الإدارات الأمريكية السابقة وهي جادة في إعادة النظر في السياسة الأمريكية في العراق وكخطوة أولى فان الرئيس الأمريكي ترامب يريد أولاً احتواء النفوذ الإيراني في العراق وإبعاد إيران عن العراق وإعادة النفوذ الأمريكي فيه و من ثم إبعاد الأحزاب الدينية الموالية لإيران عن السلطة والنفوذ وإعادة رسم خريطة سياسية جديدة للعراق تبعد الأحزاب الدينية والطائفية وترجح كفة التيارات العلمانية والليبرالية والمدنية وتعيد التقارب العربي مع العراق والبدء بمرحلة جديدة بعد الانتهاء من داعش يكون للنفوذ الأمريكي دور كبير فيها وللعرب دورهم المؤثر على حساب الدور الإيراني ، فهل تنجح الإدارة الأمريكية الجديدة في تحقيق ذلك ،وسينتظر العراقيون الى ما بعد الانتهاء من معارك تحرير مدننا من داعش والقضاء على آخر معاقل هذا التنظيم المتطرف في العراق عندها ستتوضح الصورة أكثر عندما تبدأ مرحلة جديدة ربما تحمل مفاجئات كبيرة وغير محسوبة للقوى السياسية التي هيمنت على مقاليد الأمور في البلاد طيلة الأربعة عشر سنة الماضية وللشعب العراقي وللمنطقة والعالم . |