اغلب بني البشر يتعامل ببراغماتية في حياته العادية سواء مع عائلته واصدقائه وزملائه في العمل او الناس المحيطين به، وهذا الامر لا يعد امرا معيبا وانما هو امر طبيعي ومحبذ للتعايش المشترك مع الآخرين المختلفين في طباعهم وميولهم ومعتقداتهم، وهذا الامر بطبيعة الحال لا بد ان ينطبق على العمل السياسي والحزبي، فالسياسة فن الممكن ولا يوجد فيها اصدقاء دائمون او اعداء دائمون لكن هناك دوما مصلحة دائمة. ومن هذا المنطلق جاءت الزيارة الناجحة لرئيس الوزراء حيدر العبادي الى واشنطن والمكتسبات التي تحققت عبر الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي للعراق في حربه ضد التنظيمات الارهابية التي وصلت شرورها الى جميع اصقاع الارض، فهي ليست معركة داخلية بل معركة دولية يخوضها العراق على ارضه نيابة عن العالم واصبح مثار اعجاب المجتمع الدولي له. هناك مؤاخذات على العلاقة السابقة مع اميركا ويتحمل مسؤوليتها، من وجهة نظرنا، الجانب العراقي وضعف دبلوماسيته وتخبطها وتعدد رؤوس اصحاب القرار السياسي فالادارة الاميركية مستعدة للتعامل مع رأس سلطة دكتاتورية فاعلة بدل التعامل مع رؤوس ديمقراطية غير مؤثرة وغير فاعلة ومتغيرة في ولاءاتها وقراراتها، وهذا من حقها فهي ليست مؤسسة خيرية تقدم خدماتها بدون ثمن بل هي دولة عظمى لها توجهاتها ورؤيتها للعالم، تدعم من يدعمها ويتفق مع مصالحها وتعادي من يعاديها او يعادي مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، ومن مصلحة العراق في ظل وضعه الحالي ان يدخل في حلف تكتيكي مع دولة عظمى مهمة ومؤثرة في المنطقة لمواجهة التحديات الامنية عبر القضاء على التنظيمات الارهابية وجيوبها التي قد تستغرق عدة سنوات وما تحتاجه من جهد استخباراتي وعملياتي وتعاون دولي، فضلا عن اعادة الامن والاستقرار الى المناطق المحررة عبر ادارة ذاتية للمدن والقصبات خاصة في الملف الامني والخدمي للحيلولة دون عودة تنظيمات ارهابية مرة اخرى لتعيث في المدن وسكانها قتلا وتدميرا، وهناك تحديات اقتصادية فرضها انخفاض اسعار النفط عالميا وتكاليف الجهد العسكري فضلا عن الاموال اللازمة لاعمار المناطق المحررة التي تحتاج الى دعم واسناد دولي وهذا ما طلبه السيد العبادي صراحة من الادارة الاميركية والمجتمع الدولي من اجل العودة السريعة للنازحين الى ديارهم الذين عانوا الامرين جراء التهديد والتشريد الذي وقع عليهم. البراغماتية السياسية المبنية على قراءة الواقع المحلي والاقليمي والدولي والمبنية على المصالح المشتركة والانفتاح على دول الجوار ستحقق الفائدة للعراق وشعبه دون المساس بكرامته وثوابته الوطنية ووحدة اراضيه، فقد ولى زمن المحاور والاقطاب الذي لم يجلب لبلدنا سوى الدمار وعدم الاستقرار فضلا عن تمزيق نسيج مكوناتنا الاجتماعية التي عاشت بحب ووئام على مر التاريخ، وفي ضوء هذه البراغماتية على القوى السياسية ان تعيد حساباتها وقراءاتها للواقع العراقي والدولي وتضع نصب عينها مصلحة شعبها الذي اصبح يدرك جيدا من يعمل لخدمته ومن يعمل لخدمة اجندات اقليمية ودولية. |