من حكايات جدتي .. السادسة والعشرين أم أصبع وأخواتها

 

عادت جدتي من زيارتها اليومية لجارتنا أم البنات، وقد تعرفت على ضيفه من اقارب جارتنا وانزعجت منها ووصفتها بالمنافقة، عندما سألتاها عن السبب قالت:كانت امرأة ذو وجهين، يعني من قدامك يا هلا ومرحبا ومن ورآك تسبك وتذمك، فكانت هذه المرأة تصف حماة جارتنا بالكلام الجميل المعسول أمام كنتها وعندما خرجت من الغرفة لجلب القهوة سمعتني كلام يشوه سمعتها، وتذكرت قصة لقلق الكنيسة الذي سماها العراقيين القلق المنافق.

يروى في قديم الزمان وسالف العصر والآوان، عن وجود طائر طويل الساقين نحيف البنية كان اسمه اللقلق، وكان يأتي الى العراق في ايام الشتاء فيبني اعشاشه فوق اماكن مرتفعة مثل مأذنة جامع او برج كنيسة، او ربما فوق بعض المباني الخربة المرتفعة، ويروى إنه احد الطيور المحبة للعزلة والتفرد، اختار برج كنيسة ليبني عشه فوقه، مما سبب ازعاجاً مستديماً لشماس الكنيسة فأشتكى امره للقس، إذ إنه كلما قرع ناقوس الكنيسة تساقط عليه القش والذراق المتيبس، فأوصاه القس بأن يأخذ قطعة من كبد جمل ويملحها بصورة حسنة (ولحم الجمل يسبب العطش ويستحرم اليهود اكله) ، ويضع بجوارها كاس خمر معتقة، فعندما يأكل اللقلق كبد الجمل يعطش، فيضطر لشرب الخمر فيسكر ويصبح ثقيل الحركة وغير قادر على الطيران، فيصعد اليه الشماس يمسكه ويذبحه. اتبع الشماس التعليمات بحذافيرها حتى سكر اللقلق، فصعد اليه الشماس وامسكه من رقبته، سحب السكين وسأله: فهمني انت من يا ملة ؟ إذا يهودي أشلون تاكل لحم جمل ؟ أو نصراني أشلون اتذررك على الناقوس ؟ ، أو مسلم أشلون تشرب عرك؟

هذه القصة اشتهرت ايام زمان بين الناس بأسم ( لكلك الكنيسة)، وهي تقال لكل المتلونين ومن لا يشبه قوله فعله

هذه هي اوجه المنافق يعطيكم من طرف اللسان حلاوة ولكنه مخادع.

نعود لحكايتنا الاسبوعية : 

كان في قديم الزمان ثلاث شقيقات كبيرات في السن وقبيحات الشكل والمنظر، يعشن وحدهن في الدار وقد أصبحن عانسات، وكانت الصغرى قد تعودت أن تمصّ إصبعها الصغيرة منذ طفولتها، حتى صارت إصبعها رقيقة وطويلة، ومن يراها يظنها إصبع فتاة صغيرة وجميلة.

في أحد الأيام تراهنت أم إصبع مع أخواتها على أنها ستجعل الأمير يحبها، ويعطيها منديله، فوافقوا على المراهنة، انتظرت حتى مر الأمير من تحت نافذة غرفتها، رشّته بماء الورد المعطر، فتعجب الأمير من ذلك، ونظر إلى النافذة فلم يرى سوى إصبعاً جميلة رقيقة، فقال في نفسه: إذا كانت الإصبع بهذا الجمال، فكيف تكون صاحبة الإصبع، لا بد أنها فتاة رائعة الحسن والجمال، فصاح عليها: من رشّ الماء ؟ ردّت عليه بصوت رفيع ناعم: أنا يا سيدي الأمير لقد رميت الماء الذي غسلت به وجهي، ولم أعرف أنك تمر من تحت النافذة في هذا الوقت، فلا تؤاخذني على فعلتي.

فكّر الأمير قليلاً وأراد أن يتعرف عليها، فدعاها إلى الحفلة التي سيقيمها في القصر فأجابت دعوته وقد طار عقلها من الفرح. في المساء لبست أحسن الثياب، وتعطرت بماء الورد ووضعت قناعاً على وجهها، وباروكة شعر مستعار على رأسها، ولبست كفوفاً في يديها بحيث لا يظهر منهما سوى إصبعها الجميلة، فبدت كالأميرات الشقراوات الجميلات، وفي الحفل رحب بها الأمير ورقص معها طوال السهرة، ومشيا معاً يتسامران في الحديقة، فأرادت أن تقطف زهره فجرحت إصبعها، فأعطاها الأمير منديله فربطت به إصبعها، وعادت آخر السهرة إلى البيت، وهناك أظهرت المنديل لأخواتها، فعرفن مقدار مكرها وشطارتها، وسلّمن لها بأنها كسبت الرهان.

في اليوم التالي حضر الأمير إلى بيت الأخوات، فطلب يد الفتاة الصغيرة، فوافقت الأختان لكن اشترطوا عليه ألا يرى وجهها، وأن لا يكشف القناع عنها إلا في ليلة الزفاف، فوافق على ذلك وأقام حفلة كبيرة ورفع الزينة في المدينة، وقدم الطعام ثلاثة أيام لجميع الناس، وفي ليلة الدخلة رأى عروسه تنتظره في غرفة النوم، وقد اندست تحت اللحاف وتغطّت به، فجاء إليها وكشف عنها الغطاء، فوجدها في ملابسها وعلى وجهها قناع، فاستغرب من ذلك وخلع عنها القناع، فوجدها فتاة قبيحة المنظر شمطاء، فانصدم بها وغضب منها وحاولت أن تعتذر وتطلب منه الصفح والغفران، وأخبرته بحقيقة الأمر وأنها تراهنت مع أخواتها على ذلك، فزاد غضبه كثيراً وضربها بالسوط حتى أدمى جسدها، وعلّقها من شعرها على باب القصر، وأحضر أخواتها وعلقهن بجانبها وجعلهن عبرة لباقي الناس.

المصدر: مصطفى محمد الصوفي، الراوي: عبد الرحيم العمر.