ذاكرة البصرة - زيارة الى قصر طالب باشا النقيب |
مستلات لوح إسماعيل بذراعه سائلا إياي ان انعطف يسارا ففعلت فإذا بنا قبالة المدخل الأمامي للقصر الذي تبرز فوق مدخله الرئيس مظلة من الخشب النفيس عمل الزمن على أبادته حتى غدا هشيما من ألواح متهرئة مقامة على عمودين منجورين من خشب الساج . تحت تلك المظلة كان يمر مائة ضيف وضيف : ملوك وأمراء وموسرون ورجال سياسة انكليز وعثمانيون وعراقيون ليدلفوا الى الداخل حيث تقام مآدب أسطورية تضم كل ما لذ وطاب من الطعام والشراب تقدم الى من رسموا الخارطة القادمة لدولة لن يتاح لها يوما ان تذوق معنى الاستقرار !
سيرة حافلة
اذ تقول المصادر ان السيد طالب السيد رجب بن محمد بن سعيد السيد طالب درويش الرفاعي ولد عام 18711 في البصرة ، درس القانون وتعلم اللغات الفارسية والتركية والانكليزية والهندية . وكان واحدا من أربعة نواب عن البصرة في مجلس المبعوثان العثماني. أسس حزب الحرية والائتلاف والجمعية الإصلاحية ، ودعا الى كيان عربي موحد كما قاد اول حملة ضد شركة بيت ( لنج ) البريطانية و افترح انشاء شركة عراقية للملاحة وبارك مشروع قطار برلين ـ بغداد . كما نادى بالثورة على الانگليز .
عرف عنه قوته وبأسه وقدرته على مواجهة المواقف الصعبة ، ثم تولى وزارة الداخلية في اول حكومة عراقية مؤقتة (حكومة الگيلاني)، وعرف بشدته ومناوأته للحكمين العثماني والبريطاني مما اكسبه عددا كبيرا من الأعداء من الجانبين .
ولكن الخط البياني المتصاعد لطالب النقيب بدأ بالهبوط تدريجياً ، بعد تعيين ( برسي كوكس ) حاكماً سياسياً للعراق ، حيث أسندت الى الباشا وزارة الداخلية في الحكومة العراقية المؤقتة ،
بعد ان عين البريطانيون الامير فيصل بن الحسين ملكاً للعراق وفق مقررات مؤتمر القاهرة 1921 م ، وقد عارض طالب النقيب ذلك وهدد السلطة بالتمرد معتمداً على رؤساء العشائر العراقية ، مما حدا ببريطانيا الى انهاء دوره السياسي فأرسل منفياً خارج العراق الى المانيا بمدينة ( ميونخ ) وقيل مدينة ( زيورخ ) في سويسرا حتى وفاته عام 1929 ونقل جثمانه الى مدينة البصرة حيث دفن في مقبرة الحسن البصري في مدينة الزبير .
اما عن ذلك الباب فكان في مدخله صبي راح يتأملنا ونحن نسدد عدسة الكاميرا نحو شبابيكه وشناشيله وشرفاته الصامتة المهلهلة ، فما ابلغها من صور لغة وموعظة! اذ ذاك أيقظنا من تأملاتنا رجل اندفع نحوي متلهفا ، فحاذرته ظنا مني بأنه يستنكر علينا اقتحام القصر والقيام بتصويره . لكن الرجل دعانا للدخول فدخلنا عبر ذلك الباب الجانبي المزدوج الواطئ ، والذي أخبرنا بأنه باب خدم السيد طالب.تسربت الينا ونحن ندخل غرفة واسعة مشحونة بالظلال رائحة الخشب العتيق . قبل الدخول لغرفة الاستقبال ألقيت نظرة على باحة الحوش : غرف تحتانية وفوقانية وشرفات مهشمة تطل على تلك الباحة التي تتوسطها حديقة رباعية الشكل وحشية النبات . غادرنا القصر بأسرع ما يمكن منتقلين الى منطقة اخرى حيث قصر اخيه السيد هاشم النقيب الذي لا يقل اتساعا وخرابا عن قصر اخيه السيد طالب .
وبعد ان اطمأن الينا قام بمرافقنا في الجولة التصويرية حول بيت السيد هاشم قائلا ان اسرة صاحب البيت تقيم حاليا في امريكا . وافرادها يزورون القصر بين الفينة والفينة ويرفضون رفضا باتا عرضه للبيع. ولو وجدت لجنة متابعة للقصور التراثية لحولته الى متحف يضم آثارا ذات صلة بالجنوب ممثلا . |