تخطيط لما هو قادم

 

للوهلة الأولى كان يبدو ان كلَّ شيء يسير كما هو مأمولٌ ومخططٌ له، خاصة وان مساحة الأرض مناسبة جدا لما ينوي ان يصنع بها، فالموقع قريب من الشارع والوصول اليه لا يحتاج الى عناء كبير، وسعر الأرض ليس بالصعب توفيره، فقد اعتاد منذ فترة ليست بالقصيرة ان يجمع ما يزيدعن حاجته من اموال في مكان خاص، كما ان الرجل الذي يشرف على اعداد ما تحتاجه الارض من ترتيبات ليس بالغريب فقد اعتاد هو وعائلته التعامل معه وقد رأوا منه الأمانة والحرص على اكمال كافة الإجراءات بشكل لائق.

 بعد نقاش طويل مع الرجل اتفقا على كافة الترتيبات، وفقا للمواصفات التي ارادها والوقت الذي يجب ان تستغرقه عملية اكمال ما مطلوب. والمبلغ الواجب دفعه، بما فيه قيمة الارض والبناء الذي سيقوم عليها. قام بدفع المبلغ بأريحية ظاهرة وبنفس مطمئنة. وهو يوصي الرجل بأن ينجز عمله بأفضل شكل وان يزرع شجيرات وازهارا في ارجاء المكان، لتجعل من المكان بقعة جميلة تجلب الراحة للزائرين.  قضى ما تبقى من ذلك اليوم وهو في حالة انشراح تام. وكأنه فاز بجائزة كبيرة. كان يكثر من الشكر والحمد لله تعالى على توفيقه وتسهيل مهمته تبرع ببعض المال لمجموعة من الشحاذين الذين التقى بهم في الطريق المؤدي الى ضريح الأمام. ادى صلاته بخشوع تام وبعيون مغرورقة بالدمع، فما كان لهذا الأمر ان يسير على ما سار عليه لولا صدق ايمانه وحسن نواياه ونقاء سريرته وهداية الله وتوفيقه له. هكذا كان يحدث نفسه وهو يسجد سجدتي الشكر لله.

 استقل سيارة الأجرة وتوجه الى بيته والفرح والزهو يملأ نفسه. كأنه قائد خرج من معركة مكللا بالنصر. لم يكن الطريق الى البيت قريبا، وزاد في بعده ذلك الشوق العارم لرؤية وجوه زوجته واولاده واصدقائه وهو يحدثهم عن ذلك النصر الذي حققه بيسر ونجاح باهر، كما أحب ان يسميه، فليس هناك استعارة تصف ما حققه أكثر دلالة من هذه الاستعارة، خاصة وان الأجواء العامة لمحيطه ووسائل الاعلام المرئي والمسموع والمقروء غارقة بالأحاديث عن الانتصارات في المعارك منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وما هدأت طبول الحرب الا وقرعت مرة اخرى واخرى وبضراوة ربما اشد من سابقاتها.

 وصل الى بيته محملا بالهدايا التي اعتاد ان يجلبها معه كلما ذهب لزيارة تلك المدينة المقدسة. بيد انه هذه المرة لم يكن محملا بالهدايا فقط بل كان الفوز بتلك الصفقة أفضل من كل الهدايا التي عاد محملا بها كما كان يتخيل. فما ان حط رحاله وخلع ملابس السفر حتى جلس يحدثهم عن صفقته وكيف وفقه الله لإنجازها بيسر ونجاح. وبدأ بوصف المكان الذي هيأه لرحلته الأخيرة، وما سيشيد عليه ويزرع فيه بإسهاب والفرح والزهو يملأ اساريره.

 في اليوم التالي خرج الى السوق للتبضع ، كان السوق مزدحما بالناس الذين خرجوا لشراء مستلزمات العيد ، فاختلط بذلك الجمع الذي كانت تعلو وجوههم الابتسامة ، في تلك اللحظة دوى صوت هائل تناثرت معه الأوصال والدماء ، وتعالى لهيب النار والدخان في ذلك المكان ، وارتفع الصراخ في الأرجاء بعد لحظات بدأت اصوات سيارات الاطفاء والاسعاف تملأ المكان ، وبدأت عمليات الإنقاذ واخلاء الجثث ، وصل الخبر الى عائلته، بحثوا كثيرا عن جثة الرجل ولكن دون جدوى، ولكنهم عثروا على ورقة نصف محترقة من اوراقه الثبوتية، تيقنوا منها ان الرجل قد قتل في الانفجار، انتهت مراسم العزاء وبعد مرور اربعين يوما قرروا فتح الوصية التي لم تكن تحمل اشياء كثيرة؛ فهو لا يملك شيئا، حتى الدار التي يسكنها هي في الواقع ملك لزوجته. فكان اهم ما في الوصية هو تلك الارض. وقد جاء فيها