إصلاح النظام القانوني في العراق.. المنطلق والأبعاد |
يقول الفقيه الالماني ( سافيني ) ان القوانين تخرج من فطرة الشعوب واحتياجاتها كما يخرج النبات من الارض وهذا أحسن قيلاً . ان التشريعات في الدولة تتوزع على هرم يتربع الدستور في قمته ثم تأتي بعده القوانين والانظمة والتعليمات وهلم جراً.فالدستور اذاً هو القانون الاسمى والاعلى في الدولة , تستمد منه التشريعات الاخرى وجودها وشرعيتها , فلا يجوز لها ان تخالف احكامه والآ كان الغاؤها من جانب القضاء جزاءً أوفى جزاء.لقد وضع دستور جمهورية العراق لسنة 2005 في اجواء اقل ما يقال عنها انها غير طبيعية , فالارادة الوطنية مستلبة والوضع الامني منفلت والتناحر بين القوى السياسية أشد من كل شديد ومع ذلك جاءت فيه احكام مشرقة كالشمس وضحاها واحكام اخرى تستحق الرجم بالحجارة . كما يُنعى على الدستور انه اسسس الثوابت في التشريع ثم عاد من تلقاء نفسه ليخرقها فكان مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً. فلقد منع سن قانون يتعارض وثوابت احكام الاسلام ومبادئ الديمقراطية في حين ان هناك احكاماً مسطرة فيه تتعارض والثوابت والمبادئ المشار اليها, اضف الى ذلك زيادة ان هناك نصوصاً في التشريعات النافذة هي ضد من ثوابت احكام الاسلام ومبادئ الديمقراطية فألى هذا نسترعي انتباه واهتمام مجلس النواب.لقد منح الدستور المحكمة الاتحادية العليا استقلالا مالياً وادارياً وهذا لا يمنح الا الى المجالس والهيئات التي تعمل على وفق مبدأ اللامركزية الادارية فالذي تحتاجه المحكمة موازنة وافية ولا مزيد عليها.وفي موضوع الاختصاصات فقد أغرق الدستور المحكمة بها هابطاً بها الى مستوى محاكم الدرجة الاولى فليس من المقبول عقلاً ومنطقاً ان تنظر في منازعات هي من اختصاص محاكم الدرجة الاولى في القضاءين المذكورين في موضوع تحديد الاختصاصات , فلنعد النظر في اختصاصات المحكمة ولنعطها القدر الذي تستحق فهي في المقام الاعلى حقاً وصدقاً . كما ان الدستور لم ينص على تعويض الاضرار الناشئة عن تطبيق القوانين والانظمة المخالفة للدستور فيما اذا تم الغاؤها من جانب المحكمة الاتحادية العليا , فمبدأ التعويض عن الاضرار المذكورة نص عليه القانون الاساسي العراقي الصادر عام 1925 وبالتالي ليس مقبولاً بعد اثنين وتسعين عاماً ان نعود القهقرى ونلغي المبدأ المذكور.لقد كان الشعب العراقي يطمح بدستور يوحد المتفرقين ويحافظ على البلد واحداً موحداً متماسكاً كالبنيان المرصوص الا ان ذلك لم يتحقق وا اسفاه, فأوصال البلد مقطعة والتناحر بين القوميات والمذاهب والكتل السياسية لما يزال مستقراً وكأننا على شفا جرف هاروالى الله المشتكى.ان اصلاح النظام القانوني في العراق بات ضرورة لا محيص عنها فتقدم البلد ورقيه لا يتم الا بالقوانين ,فلنبدأ العمل الحثيث انطلاقاً من الدستور نقلبه ذات اليمين وذات الشمال لكي نسقط الاحكام المتناقضة والمتهالكة ونآتي بالبديل الافضل وهذا جد ُ يسير .ان عملية الاصلاح القانوني يجب ان يتم بأيدي العراقيين وحدهم فلا خبير أجنبياً ينفعنا في هذا العمل فنحن صناع القانون وحضارتنا امتدت لآلاف السنين فهل يجوز لنا ان نحاكي دولاً تجاوز عمرها المائتي عام بقليل ؟ايها الاخوة اذا اردنا ان نضع دستوراً محكماً يخطف الابصار فليبتعد رجال السياسة عن هذا العمل ولنستعن في كل صنعة بصالح اهلها ولا نقبل فيها دخيلاً.ان التشريعات النافذة بحاجة الى تنقيه كما ينقى الثوب الابيض من الدنس وعلى وجه الخصوص التشريعات المحاربة للفساد لآني اقسم صادقاً انها تشجع على الفساد لاتمنعه ولو اعطيت الوقت الكافي لكشفت لكم الغطاء عنها فلوليتم مها فراراً ولملئتم رعباً.لقد انتشر الفساد في مؤسسات الدولة انتشار النار في الهشيم وتكاثر المفسدون تكاثر الدود فاصبحوا عدد قطر المطر وزبد البحر يراهم الناس بعين اليقين يتداعون على اموال الدولة فيخضمونها خضمة الابل نبتة الربيع ولبئس ما يفعلون .لقد آن الاوان للضرب على ايدي المفسدين بمقامع من حديد وهذا لا يتحقق الا بقوانين صارمة تردع وتمنع وتشريعها علينا ليس بعزيز.بقي ان اقول كلمة رجاء وتوسل للمسؤولين في هذا البلد , أصدقوا بما عاهدتم الله والشعب والوطن عليه, فلقد سئمنا من الاقوال ونريد افعالاً , فالتقدم والرقي يحتاج الى همم الرجال وهمم الرحال تزيل الجبال , فلا تكونوا كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وماهو ببالغه فهلُموا للعمل الصالح البناء من اجل اصلاح الخراب في هذا البلد واحقاق الحقوق للمظلومين فيه واعلوا ان المسؤولية امانة في الدنيا وخزي وندامة في الاخرة كما ورد في الحديث الشريف الا من اخذها بحقها وادى الذي عليه فيها ان هذا الشعب الصابر يستحق منكم اغلى التضحيات فلقد صبت عليه مصائب لو انها صبت على الايام لصرن لياليا. |