جنيف 5

بدأت ملامح السياسة الأميركية في قضايا الشرق الأوسط تفصح عن نفسها أكثر لتزيل بذلك الكثير من الغشاوة التي سيطرت على الرأي العام في المنطقة عن نوعية السياسة الأميركية إزاء قضايانا في الشرق الأوسط الملتهب منذ سنوات.
وهل إدارة الرئيس ترامب ستعير أهمية لذلك أم تترك الأمر يسير بشكل فوضوي دون أن تبالي بتداعيات الفوضى ليس على منطقتنا فقط بل في عموم العالم الذي يعاني من الإرهاب بين الحين والآخر وسط وجود نوازع عدوانية كبيرة لدى التنظيمات الإرهابية نحو أوروبا وأميركا وتقوم بتفريغ هذه النوازع بين الحين والآخر في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا.
ظهر ذلك بوضوح في جنيف 5 الخاص بالقضية السورية بدأت ملامح السياسة الأميركية تظهر بوضوح بتأكيد واشنطن على إن تغيير نظام بشار الأسد ليس من الأولويات الأميركية ولا يمكن مناقشته في أية مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أطراف عديدة، بل هنالك أولويات كثيرة يجب أن يتم إيجاد الحلول المناسبة لها وفي مقدمتها القضاء على الإرهاب الذي يشكل الخطوة الأولى ومفتاح تنفيذ الملفات الأخرى التي لا يمكن مناقشتها دون إحداث استقرار في البلد.
هذا الرأي الأميركي الذي ربما أغضب بعض الدول التي لها أذرع في القضية السورية جعل من جنيف 5 انعطافة ستقرر مصير القادم من المفاوضات سواء في جنيف أو غيرها من جهة، ومن جهة ثانية ستحدد من يحق لهم التفاوض أو الجلوس في قاعات المفاوضات لمناقشة أمور كثيرة ليس من بينها إزالة النظام في سوريا.
أميركا تعي جيدا إن ما حدث ويحدث في سوريا منذ سنوات لا علاقة له (بالثورة الشعبية) بل هو مجرد سيناريو إقليمي للسيطرة على هذا البلد المتعدد والمتنوع دينيا وقوميا وجعله ساحة حرب طويلة الأمد بين أطراف خارجية على حساب أمن المنطقة واستقرارها.
الرأي الأميركي هذا يتوافق كليا مع رأي روسيا وإيران وتركيا التي غيرت مواقفها كثيرا في هذا الملف بعد أن أصبحت أراضيها جزءا من أهداف التنظيمات الإرهابية مما أثر كثيرا على أمن تركيا الذي تزعزع أكثر من مرة في الأشهر القليلة الماضية.
الملفات المطروحة في كل جولات جنيف الماضية هي أربعة ملفات, الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، وكل طرف يرى الأولوية لملف معين. 
المعارضة تجد أن الانتقال السلمي للسلطة هو الملف الأول، فيما تجد الحكومة إن مكافحة الإرهاب له الأولوية، وهذا هو الرأي الأميركي أيضا الذي كان صريحا في هذا الجانب إذ إن بقاء الإرهاب من شأنه أن يقوض أية عملية سياسية وبالتالي إن من مصلحة سوريا كدولة وشعب أن تتم مكافحة الإرهاب والقضاء عليه ومن ثم بحث ملف الانتخابات والدستور وآليات الحكم، وهذه الملفات ليست سهلة وتحتاج إلى وقت ورعاية دولية وضمانات من جميع الأطراف المشاركة.