تختلف قمة الاردن عن سابقاتها من القمم العربية التي عقدت بكونها الاكثر هدوءا وعقلانية وذلك عندما اعتمدت خطابا مغايرا, اذ انها تبرأت مما كان يسمى زورا بالربيع العربي ولم تعد ترحب بالتدخلات في الأزمات المشتعلة في المنطقة العربية او ان تتحول الى ممر اجباري لتمرير القرارات التي تمنح الغطاء والشرعية لاية تدخلات أجنبية كما حصل في ليبيا.
اللهجة التصعيدية التي هيمنت في الماضي على خطابات الزعماء العرب الدائرين في الفلك الخليجي فيما يخص العلاقة مع ايران والملف العراقي ودور الحشد الشعبي في المواجهة مع داعش وكيل الاتهامات الطائفية ضده تراجعت في قمة الاردن الاخيرة, ولم تعد مفردات الخطاب الاتهامي التقليدي موجودة في البيانات الرسمية للمؤتمر. من الواضح ان الازمة السورية التي كانت محطة اختبار صعبة للعلاقات العربية – العربية, حين تبنت كل من الرياض والدوحة دور الراعي الرئيس والوكيل عن واشنطن في انجاز مهمة اسقاط نظام بشار الاسد وتصفية النفوذ الايراني في لبنان وسوريا حتى لو اقتضى الأمر دعم المجموعات السلفية المتطرفة الخارجة من عباءة القاعدة وتمويل عمليات شراء الاسلحة والتجهيزات لها وكسب المحاربين في صفوفها. هذا السيناريو تغير الآن بعد ستة اعوام من الازمة, حيث اقتنع اللاعبون الرئيسيون باستحالة هذه المهمة بعد دخول الروس كطرف قوي وداعم لبشار الاسد لتتغير قواعد اللعبة ويصبح الروس والإيرانيون والاتراك هم من يتسيدون الموقف في الميدان بعد ازاحة القطريين والسعوديين. الدعم العربي للعراق قد اخذ مؤخرا شكلا ملموسا, خصوصا بعد الخطوة السعودية المتأخرة في الانفتاح على بغداد وإزالة التحفظات على الحكومة العراقية وإيقاف ماكنة الشحن الطائفي ضد الحشد الشعبي ومختلف القوى والتيارات السياسية القريبة منه وهو ما جسده حرص الملك السعودي على لقاء السيد العبادي والتأكيد على أهمية هذا الدعم واستمراره. القمة العربية أعطت للعراق ما كان يتمناه, لكنه دعم يبقى ناقصا ما لم يأخذ طابعا فعليا على الارض, حيث ملفات الاعمار وإلغاء الديون وإعادة فتح السفارات وربما التنسيق العسكري المشترك. الخلافات العربية مزمنة وضعف النظام السياسي العربي واضح نتيجة لتباين الخطابات والاجندات وعمق الخلافات في داخل التركيبة السياسية والاجتماعية العربية التي تعجز ومنذ زمن طويل عن تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ووعي اجتماعي وسياسي متطور, فضلا عن رعاية الطبقة الوسطى ومنحها دورا اكبر, اضافة الى الطابع الوراثي السياسي للانظمة الحاكمة بشقيها الجمهوري والسياسي وعدم السماح بنمو الديمقراطية وتطورها وإشاعة مفاهيمها فالنظام السياسي العربي نظام لا يزال محافظا ومترددا في القيام بإصلاحات وخطوات تؤدي الى تغيير تركيبته بشكل يمنح الأفراد والمؤسسات هامشا اكبر من الحرية والشراكة في القرار السياسي وتقييد السلطات المطلقة للملوك والرؤساء العرب الذين يدمنون فن التمسك بالمنصب, اضافة الى حرص المؤسسات العربية الحاكمة على إشاعة مفاهيم الطاعة والخضوع الأبوي من قبل الشعوب للحكام المطلقين وفرض مفاهيم الولاء القسري عليها وتغييب ارادتها في ان تقول كلمتها في امور السلطة والحكم واقامة المؤسسات. هذه السلوكيات القروسطية وغياب التنمية الحقيقية للشعوب والمجتمعات, فضلا عن ازدهار مؤسسات القمع قد شجعت الاصوليات الراديكالية المتطرفة على النمو واستقطاب عدة شرائح محبطة من المجتمعات العربية واقناعها بالانضمام الى صفوفها وفرض سطوتها ونهجها المتخلف على الشارع العربي, خصوصا بعد احداث الربيع العربي التي شهدت هيمنة هذه التنظيمات على المشهد السياسي وتبنيها لخطابات متفجرة وصادمة وتقسيمية للبلدان العربية ومهددة لكياناتها ووجودها عندما أخذت تستحضر خطاباتها الأيديولوجية القديمة المنتهية الصلاحية لفرضها على الشعوب والمجتمعات في عصرنا الراهن وهو الامر الذي شجع على تنامي الإرهاب وازدهاره وتحوله الى هذا الشكل الدموي الذي نعاني منه حاليا. النظام العربي لم ينجح حتى الآن في توحيد مؤسسة واحدة كما حصل في الاتحاد الاوروبي عندما تخلى الأوربيون عن خلافاتهم العميقة والمزمنة وآمنوا بالشراكة الحقيقية عندما تخلصوا من الإرث القومي التعصبي واندمجوا في وحدة اقتصادية وسياسية ناجحة ومدهشة تدعمها من الداخل ديمقراطيات عريقة ومؤسساتية, فضلا عن رأي عام موحد يقف حول الوحدة ويدعمها. هذه امور كلها نفتقدها للاسف لنكتفي في النهاية بمؤتمرات هي عبارة عن مناسبات اجتماعية يلتقي فيها الحكام ويلقون فيها الخطب من دون أي تأثير أو تغيير حقيقي لها على ارض الواقع. |