(عون) الخارج و (فرعون) الداخل |
لا أظن أحدا يخالفني القول والرأي إن قلت أن أقسى أحداث مر بها العراقيون بعد عام سعدهم 2003 هي أحداث الموصل، إذ اجتمعت فيها جمهرة من المرارات والمنغصات والآلام والحسرات، علاوة على الخسارات والضياعات والهلاكات التي شملت الضرع والزرع والبشر والحجر والشرف والكرامة والمال والبنون، ولم يسلم من الضرر حتى الذين ماتوا منذ قرون، إذ صارت رفاتهم تحت رحمة معاول النبش ومقابس الحرق وأدوات التمثيل، وتبددت صروحهم بين سرقة وهدم وتغييب. كما رافقت تلك المصائب إخفاقات سياسية وأمنية آلت الى تداعيات خطيرة، هددت حاضر الشعب ومستقبله، ومست سيادته وكيانه ووجوده، وكل هذا لم يكن ليحدث لولا عنصر الخيانة الفتاك الذي حمله أشباه الرجال، الذين تسيدوا مسرح القيادة في غفلة من الدهر وغلطة من المواطن في تسييدهم، تسببوا بالتالي ببيع البلاد شبرا شبرا، ومع هذا نرى كثيرين مافتئوا ينهقون بأصواتهم، وينعقون بكل ما أوتوا من لؤم وخسة بصرخات عدوانية، يرشقون بها العراق والعراقيين بغية النيل منهم، وحصرهم في خانة الصفر أو دونه، والإبقاء عليهم هناك ما استطاعوا. ولنا في هذا شهود كثيرة جسدها شخوص لهم تاريخ في التنابز والمناكفات تحت القبب وخارجها، كذلك لهم باع طويل في التدخل بشكل مباشر او غير مباشر في تردي الحال السيئ، والحفاظ على الأسوأ، كذلك المساهمة في ديمومة الأكثر سوءا. لقد كان تصرف بعض الساسة الذين يحسبون أنفسهم وطنيين خلال العقد ونصف العقد الماضية مسيئا، بكل ماتحمله الكلمة من معنى بحق البلاد وملايين العباد، فبعضهم صار (بوقا) لأجندات تملي عليه تصريحات يرددها كالببغاء، أمام مايكروفونات في دول خارج الحدود، يرشق من هناك ما شاء من حجر بلا خجل، وهم بين مسؤول يتقلد منصبا رفيعا مازال في سدة الحكم، وهارب من يد العدالة، ولائذ في أحضان رؤوس الكتل المعادية للعراق، القابعة في تلك الدول. ولقد تكالبت على العراق قوى ضالة بأهداف لاتخدم فردا واحدا يعد نفسه عراقيا يقطن أراضيه، هي قوى لايمكن التقليل من شرها او الاستهانة بها، لاسيما وقد تعاونت في نشأتها وتغذيتها ودعمها وجلبها الى العراق، من الداخل أحزاب وكتل وشخصيات، ومن الخارج دول وجهات إقليمية وشخصيات أيضا، كانت قد نأت عن أرض العراق بعد ان ضُربت مصالحها الشخصية والفئوية، او لكون الطيور على أشكالها تقع، إذ أن أشكالها لم تجد لها عشا داخل العراق يؤويها، بعد أن هُجمت أعشاشها عام 2003. وكلها تعاونت بغية إيصال العراق الى وضع لاتحمد عقباه، وهي في رهان لإيصاله الى نتائج وخيمة، مستقتلة بإعادته الى ماكان عليه قبل ثلاثة عقود. لذا فهي تتعمد السير عكس تيار العملية السياسية، وتسعى في طريق الخراب من دون حسابات أخلاقية. ومن هؤلاء اليوم نجد كثيرين ممن يصفقون لأي خلل او تقهقر في وضع أمني او تلكؤ سياسي او عثرات في سير عجلة البلد. وكان حريا بهم أن يكونوا (عون) وليس (فرعون) والأولى بهم طرح الحلول ووضع الخطط لتقويم الخلل، بدل اتباع سبل التشهير والتنكيل والصراخ بما ينم عما في دواخلهم من نيات وغايات، وهذا مانلمسه اليوم منهم رغم ان الراي العام العالمي أول من وقف مع انتكاسة حزيران عام 2014 التي كانت صنيعتهم ووليدة وقوفهم ندا للعراق حكومة وشعبا، وهم بهذا يكونون أقرب من جسد مثلنا القائل؛ "البزون تكيف بعمى أهلها". |